رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مناعة وظيفية من الظروف الصعبة

من الموظف الأكثر مناعة ضد المخاطر الوظيفية المرتبطة بالظروف القاسية التي تمر بها أسواق العمل؟ الجواب في نظري هو الموظف الذي يملك القدرة على التحرك بشكل أكثر مرونة داخل مكان عمله أو خارجه. قد يكون التحرك عموديا أو أفقيا، في القطاع نفسه أو في قطاع مختلف، ولكن كلما ضعفت هذه القدرة، تعقدت خياراته في الأوقات الصعبة حين تسوء وظيفته وأحواله الوظيفية. السؤال الثاني المهم: من الموظف الذي لا يملك هذه القدرة على التحرك بشكل مرن؟ هو الموظف الذي خطط حياته بناء على مسار واحد فقط وجد نفسه فيه والآخر الذي لم يخططها على الإطلاق، اكتفى بواقعه ولم يهتم بتطوير نفسه في مجال عمله.
ترتبط هذه القدرة المناعية المهمة بعوامل خارجية كالوضع الاقتصادي العام ومجال وحالة المنشأة التي يعمل فيها الموظف والبيئة التي تحيط به، وعوامل داخلية مرتبطة بالشخص وطموحه وقدرته على الربط بين واقعه وسلوكياته اليومية وبين طموحه وأهدافه. في الحقيقة، لا يمكن حصر اللوم على الموظف المتقاعس الكسول حين يجد نفسه في بيئة تحفز على الكسل واللا إنتاجية. ولكن هذا لا يعفيه من المهمة الثقيلة التي لم يعتد عليها، أي تحسين وضعه بأسرع صورة ممكنة. تحسين أي وضع لا يحتاج إلى اللوم وإنما إلى الشفافية والصراحة، وأن يتشارك الجميع أفرادا ومنشآت في العمل. لذا لابد أن تكون مطالبة الموظفين الذين يقعون في هذا المأزق مقترنة بحوافز تساعدهم على الانتقال من وضعهم الحالي إلى الوضع الأفضل. من الطبيعي أن يتحول الموظفون الأقل إنتاجية إلى ضحايا أثناء الأوقات الصعبة، ولكن من المتوقع أن تكون أعدادهم محدودة وفرص تصحيح أوضاعهم متنوعة. من الظلم أن يكون الواقع مخالفا لذلك، أي أعدادا ضخمة وفرصا تكاد تكون معدومة.
القدرة على التنقل لا تعني استمرارية التنقل بشكل متكرر، فالاستقرار الوظيفي المعقول مطلب وغيابه عيب في السيرة الذاتية، ولكن تظل الميزات التنافسية للموظف سلاحا يواجه به كثيرا من مطبات الوظائف. تمنح هذه القدرة حرية من نوع خاص، مرونة استثنائية تعتق الموظف المحاصر وتنفعه حتى في الأوقات الجيدة. كثيرا ما يجد بعض الموظفين نفسه في مكان يعج بالمحسوبيات والمخالفات الأخلاقية المهنية، حينها سيجد أنه بحاجة ماسة إلى هذا الامتياز. كثيرة هي قصص الأشخاص الذين تحرروا من مديرين سيئين أو من مجتمع وظيفي متواضع، كانت تذكرة خروجهم وانتقالهم إلى أماكن أفضل سمعتهم الطيبة ومهاراتهم التي تشهد بها سيرهم ونتائج أعمالهم. ولكن قصص المكبوتين الذين يتمنون التحرر من ضيق أو تعاسة أماكن العمل أكثر بكثير، ومثل هؤلاء لا يبقى لهم إلا التذمر والسخط، وربما ساءت حالتهم وتحولت إلى اكتئاب وظيفي وحياتي حاد يجرهم إلى التدهور وينعكس على حياتهم المادية والاجتماعية.
يعتقد بعض الشباب أن ضيق فرصه الوظيفية يفتح له أبواب العمل الحر والتجاري. دائما ما نسمع عبارات مثل: "سأترك وظيفتي التعيسة وأؤسس مشروعي المنتظر" أو من يقول: "نظرا لأني لم أقدر على إيجاد وظيفة جيدة حتى الآن، لم يتبق لى إلا البدء بمشروعي الخاص". المجال فعلا مفتوح ولكن في الأمر مغالطة. عادة ما تكون مهارات تأسيس المشاريع أكثر تقدما من مهارات النجاح الوظيفي. فالمشاريع تتطلب قدرا أكبر من الالتزام والعطاء والاجتهاد، وتحتاج إلى قدر معتبر من مهارات التواصل مع الآخرين والتسويق الذاتي وغير ذلك. بل إن ما يحتاج إليه ملاك المشاريع من صناعة للشغف الشخصي والتحفيز الذاتي يجعل الشخص أكثر قربا للنجاح الوظيفي. من يملك القدرة على التحرك الوظيفي تزداد فرصه في تأسيس المشاريع، ومن يفقدها لا يستطيع التحرك وظيفيا ولا في العمل الحر.
فئة قليلة من الشباب تملك اليوم ميزة إمكانية التنقل الإيجابي داخل القطاع الخاص وأقل من ذلك بكثير من يستطيع الخروج من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص. فرص التطوير المطروحة لا تختلف كثيرا عن الفرص التي يدعى لها الشباب المقبلون على سوق العمل، التأسيس المهاري والمعرفي العام والمتخصص إضافة إلى التطوير المستمر، لا توجد وصفة سحرية هنا. مهارات لغوية وشخصية إضافة إلى تخصص اليد والعقل ما يضمن له مسيرة واضحة ومحددة تكون قابلة للتوسع أو التنوع. المهم أن يتجنب الشخص بؤر الكسل والإهمال ويقوي مناعته ضد السلبيين والسلبيات من حوله. مجابهة أي حالة عامة تصيب سوق العمل بالترهلات أو العوائق لا تكون بالانتقاد والمقاومة – مع أن النقد الموضوعي لا غنى عنه – ولكنها تأتي بالاستعداد الجيد وتعويض النقص المهاري بأسرع طريقة ممكنة؛ لا ننسى أن الوصول متأخرا أفضل بكثير من فقدان القدرة على الوصول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي