الإجهاد والقلق
يقع الناس في العصر الحديث تحت كثير من الضغوط التي تؤدي لتزايد القلق العاطفي والتباعد الأسري وفقدان العلاقات الحميمة التي كانت تميز مجتمعات الأمس. الحالة النفسية التي تسيطر هذه الأيام هي نتيجة واضحة للكم الكبير من الالتزامات بتعدد أنواعها.
يدعم هذا القلق محاولات كثير ممن يعيشون في مجتمعاتنا الشرقية للتقليد أو تحدي الآخرين بشكليات يفرط فيها أغلبهم, وتنتهي بخسائر مادية ونفسية واجتماعية. هذه البيئة الخصبة للخلاف والتحدي تسبب كما هائلا من التأثيرات السلبية في المجتمع الذي يتحول في كثير من الأحيان لحالات من الإدمان الاستهلاكي الذي ينتهي بالناس إلى القروض والضغوط المالية التي تنهك ميزانياتهم ثم تبدأ بإنهاك وإنهاء علاقاتهم الاجتماعية والأسرية.
كثير من مظاهر الضغط وعدم الاستقرار ظاهرة بشكل واضح في مجتمعاتنا. انتشار حالات الطلاق, والعقوق الاجتماعي والأسري ليست إلا مجسدات لحالة القلق وعدم الراحة هذه. يجب ألا ننسى أن هناك حاجة ماسة إلى تكوين صورة واضحة للمشكلات المجتمعية حتى يمكن التعامل معها وتجنب انتشارها وآثارها المدمرة.
هنا يأتي دور الدراسات النفسية والاجتماعية التي تتعامل مع مختلف الأسباب التي تؤدي إلى ضمور العلاقات وذوبانها وتقليص دور الأسرة. عدم الاهتمام الواضح في مجتمعنا بأبحاث التخصصات الإنسانية, والتركيز على التخصصات العلمية المادية أدى في كثير من الأحيان لخسارة كثير من العلماء المهمين وفقدان الدراسات التي يمكن من خلالها معالجة كثير من العوامل السلبية في المجتمع. مهم جداً أن نستوعب أن المشكلات والبحوث الغربية في المجال الإنساني قد لا تنطبق حرفياً على حالنا ولهذا ليس من المفيد أن ننقل كثيرا منها, ونبدأ في معالجة مشكلاتنا بناء عليها وهي التي بنيت على أسس وقواعد معينة وبنيت على عينات مختلفة تركيباً وفهما وتعليماً.
هذا التميز يجب أن يكون دوماً في ذهن أي من المهتمين بعلاج السلوكيات السلبية والجنوح والخروج عن المألوف. إن اهتمامات الناس, والمؤثرات الاجتماعية والنفسية التي تسيطر في كل دولة أو بيئة مختلفة وهي هنا تستدعي أن يكون البحث دقيقاً ليتعامل مع المجتمع نفسه ومشكلاته الحقيقية فقط.
عندما نولي هذا الأمر حقه من العناية, ستكون لدينا فرصة مؤكدة لحل كثير من المشكلات التي يعانيها المجتمع وتجسد نفسها في سلوكيات وحالات اجتماعية سلبية ومخالفة.