صندوق الاستثمارات .. تحول استراتيجي بمصداقية عالمية

تسير خطط المملكة نحو التحول الاستراتيجي في إصلاح المالية العامة للدولة بخطى حثيثة وعلى جميع الأصعدة، فلقد كانت مشكلة المالية العامة للدولة هي ارتكازها على مدخولات النفط، والأمر الآخر هو زيادة حجم الإنفاق. لهذا جاءت خطة التحول الاستراتيجية 2020 بهدف إصلاح كل هذا الخلل، فبدأ العمل مع اتضاح الرؤية على تقليص الإنفاق غير الرأسمالي، مع المحافظة على بنية القوة الشرائية في المجتمع، الأمر الثاني بدأ مع بناء صندوق سيادي عملاق، فإذا كنا نريد من استثمارات الدولة غير النفطية أن تسهم بنسب كبيرة في زيادة المالية العامة للدولة وإذا كان أفضل عائد استثماري لمثل هذه الصناديق يصل إلى 10 في المائة، فإن الحل هو بناء صندوق استثماري عملاق حيث تصبح نسبة 10 في المائة ضخمة بما يكفي لدعم المالية العامة، ولهذا فإن أكبر مشكلة تواجه بناء الصندوق ليست الحصول على الأموال اللازمة له بل اكتشاف الفرص الاستثمارية التي تحقق لنا المبلغ المستهدف من إيراداته وأيضا الوصول إلى المشغلين القادرين بأفكارهم وخبراتهم وعلاقاتهم على تحقيق هذا الهدف الضخم، وهنا مكمن التحدي الذي شغل فكر القادة في المملكة وهذا استلزم في البداية إجراء تحول كبير في هيكلة صندوق الاستثمارات العامة حيث نقلت السلطة الإشرافية عليه من وزارة المالية إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يترأسه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وبناء على ذلك قام الأمير محمد بن سلمان بتسويق فكرة الصندوق للشركاء العالميين الكبار المحتملين وإثبات جدية المملكة في المضي قدما نحو تحقيق هذا الهدف.
بعد أن تم تكامل الرؤية وخططها الاستراتيجية، أعلن صندوق الاستثمارات العامة قبل فترة شراءه حصة في "أوبر" بمبلغ 3.5 مليار دولار، وقد كانت هذه الخطوة المهمة إشارة ضخمة إلى العالم أن المملكة جادة جدا في مشروعها وأنها لن تتردد مع الشركاء الذين لديهم ما يستحق الاستثمار فيه. وقد وصلت الرسالة بوضوح إلى الشركاء في شرق آسيا، فاستجابت الصين من خلال تكوين لجنة مشتركة للعمل الاستراتيجي، وجاءت اليابان برؤيتها الخاصة لتضعها جنبا إلى جنب "رؤية المملكة"، وحقيبة فيها أكثر من 36 مشروعا، لكن أهم ما يجب الإشارة إليه في هذا المقام وهو ما يتعلق بالصندوق السيادي حيث أعلنت مجموعة "سوفت بنك" اليابانية تأسيس صندوق استثماري جديد باسم "صندوق رؤية سوفت بنك" بشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة للاستثمار في القطاع التقني على مستوى العالم وبحجم متوقع هو 100 مليار دولار أمريكي في غضون السنوات القليلة المقبلة. وسيعمل الصندوق الجديد على تسريع ثورة المعلومات حتى يصبح أكبر مستثمر بالعالم في هذا القطاع الحيوي. و"سوفت بنك" لديها خبرات تشغيلية واسعة وشبكة علاقات مع الشركات التي تمتلك محافظ استثمارية ما يقدم قيمة عالية لاستثمارات الصندوق الجديد. رغم أن الاتفاقية المعلنة لم تدخل حيز الإلزام حتى الآن إلا أن المملكة لم تزل تدرس الأفكار المقدمة، لكن هذه الخطة بشكل خاص تقدم أدلة على ما قدمه التحول الاستراتيجي في مهام صندوق الاستثمارات العامة من مصداقية عالمية، وأيضا وهو الأهم أن الصندوق لتحقيق رؤيته المستهدفة يجذب العقول والتصورات الاستثمارية في العالم وهو الأمر الذي كان يشكل تحديا بذاته لكنه يتحقق الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي