مقاومة الدمار
تحدثت في مقالين عن التاريخ الحديث للمنطقة ومحاولات إقناع السياسيين والعسكريين من قبل دول عظمى بإمكانية السيطرة على مصير المنطقة وضمان الحصول على كل الامتيازات والثروات والقرارات فيها. فكرة غبية، لكن هناك من صدقها وظن أنها ممكنة.
من أكثر القادة تصديقا لهذه النظرية القيادة الإيرانية بتدخلاتها السافرة في شؤون دول أخرى، لكن إيران ستدرك ذلك لاحقا وبعد خسائر أكبر بشرية واقتصادية وعسكرية.
الغريب أن بعض دول المنطقة تسير كالروبوتات نحو النهاية التي يرسمها لها أعداؤها، فتتحول العلاقات داخل الدول إلى علاقات كراهية وعداء لم تكن موجودة في السابق. أصبح الوطن أقل تمثيلا، وسيطرت الأحزاب والمكونات الفرعية على الساحة، فلم يعد للوطن تلك الهيبة وهو ما نلاحظه في لبنان وسورية والعراق وليبيا حتى أضحت عبارة عن مجموعة من المكونات المتناحرة مهما اتفقت هذه المكونات في القيم والمفاهيم وحتى المذهب.
هل هناك ضوء في هذا النفق الخطير؟ ثقتي بالله هي التي تدفعني لمطالبة دول الأحزاب والطوائف بنشر مفهوم التنازل والعفو والقبول بالمختلف ما دام جزءا من التكوين العام للدولة والمنطقة بشكل عام، يدفعني إيماني كذلك إلى الدعوة إلى أن نتجه جميعا لله تعالى في محاولة البحث عن الحلول من خلال العمل الجاد والدعاء المخلص للقادة والشعوب بأن يعودوا إلى رشدهم ويرحموا من تحت أيديهم.
هذا كله في إطار المحاولة التي يجب أن تبدأ بقناعة مهمة وهي أن لكل دولة تاريخها الذي لن تتنازل عنه، ولكل شعب طموحه الذي يجب أن يوجه في الاتجاه الصحيح التعاوني بما يضمن الحياة والسعادة للجميع.
إن النظر لتجربة أوروبا التي عاشت الانقسامات والتناحر نفسيهما على مدى قرون اعتبرتها قرونا مظلمة، تدفعني للدعوة إلى أن نبدأ من حيث انتهى هؤلاء. هم اليوم سوق مشتركة ودولة موحدة يحترم فيها الفرد الآخر، ويتعايش فيها الجميع مع الجميع، برغم أن هذه الدول لا تعيش بناء على مفاهيم دينية أو تتبنى قيما أخلاقية متوارثة ومشتركة.
هذا يجعلنا أقرب إلى التوحد والتفاهم والتناغم بحكم ما يجمعنا وهو أكثر بكثير من دول أوروبا. لنتذكر كم خسرت دول المنطقة في العقود الستة الماضية من تنمية وتطوير وأبحاث وصناعات كنا سنحققها لو لم نكن نتسلح لنحارب بعضنا تحقيقا لأهداف أعدائنا.