«اليونسكو» .. وتأبين الأشرار
يسألك ابنك أو ابنتك لماذا يكرم شخص ما، ويحصل على جائزة من مدرسته أو جائزة عالمية؟ الجواب بلا شك يفترض أن يكون منطقيا ومقنعا، إذ لا يمكن الاستخفاف بالسائل لأنه صغير سن، أو أن الموضوع ليس من المواضيع التي يمكن مناقشتها معه، لكنه لم يسأل إلا لاهتمامه ورغبته في معرفة الأسباب. ولذا فالجواب من الممكن أن يكون حافزا له في حاضره ومستقبله، فتكريم طالب من زملائه يفترض أن يكون لإنجازه المتميز دراسيا، أو لعمل قام به خدمة لزميله، أو للمدرسة، أما إن كان المكرم من أصحاب التكريم العالمي كحصوله على جائزة الملك فيصل العالمية أو نوبل، فلا شك أن الجواب يتمثل في إنجاز علمي، أو سياسي، أو أدبي.
هيئة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم أقامت حفل تأبين لشمعون بيريز أحد مؤسسي الكيان الصهيوني "إسرائيل"، ورئيسها ورئيس وزرائها السابق. هذا الفعل من هذه المنظمة العالمية أثار ردود فعل غاضبة، ومستنكرة من العرب، والمسلمين في وسائط التواصل الاجتماعي، إذ إن التأبين والتكريم من منظمة بهذا الحجم يفترض أن يبنى على معايير واضحة تطبق على كل من تنطبق عليه بغض النظر عن جنسه، ولونه، وديانته، وانتمائه السياسي، ولا يترك الأمر لاجتهاد فردي دون أسس، وقواعد يبنى عليها.
تساءلت وغيري من المستنكرين لتأبين بيريز من الذي اتخذ القرار؟ ومن له الصلاحية في ذلك؟ وأين مناديب الدول العربية للحيلولة دون ذلك؟ "اليونسكو" منظمة دولية ومن حق الأعضاء إبداء رأيهم، والتحفظ على القرار الذي لا تنطبق عليه المعايير، وقد يحتج المناديب بأنهم لم يحضروا الجلسة - وهذا جميل ومشكور- لكن هذا لا يكفي، فالأولى منع حدوث هذا الشيء من الأساس.
لو عدنا لسؤال الابن، أو الابنة سيكون الجواب صعبا، وغير منطقي في هذه الحادثة، فتاريخ الرجل غير المشرف يؤكد خطأ تأبينه، فهو من مؤسسي كيان مغتصب، أسهم في تشكيل جماعات إرهابية، ومارس القتل، والتعذيب، وتكسير عظام الفلسطينيين، وهدم بيوتهم، وهجَّرهم خارج وطنهم، وما من فعل تأباه النفس الإنسانية إلا مارسه بحق الأبرياء، ويكفي أن يرتبط في تاريخه الأسود بمجزرة قانا التي ذهب ضحيتها مئات الأطفال والنساء، احتموا في ملجأ لكن بيريز أبى إلا أن يسلبهم حياتهم.
هيئة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم من الأدبيات التي تتبناها نظريا نشر المحبة، والسلام، وتكافؤ الفرص التعليمية، ولو أردنا أن نقيمها وفق هذه المبادئ لوجدنا أن الممارسات، والأفعال تتناقض مع هذه المبادئ، إذ كيف يربى الناشئة على تكريم المجرم، وقبول هذا الأمر، فكما نعلم تربويا أن الفعل، والممارسة أقوى أثرا من الكلام، والادعاء، فالصورة الأرشيفية المستمدة من سيرته تؤكد إرهابا، وإجراما لا يستحق معه التأبين، لكن يبدو أن "اليونسكو" تتصرف في بعض المواقف خلاف شعاراتها، وهذا ما ينطبق على بيريز، وهي بهذا الفعل ترسل رسالة خاطئة، وأثرها سلبي على النشء.
للأسف أن الأمم المتحدة، بجميع هيئاتها السياسية، والثقافية، والتربوية، والمالية، تعمل ما فيه مصلحة الإنسان الغربي، مع تهميش لجميع الأمم الأخرى، والثقافات، لكنها تظهر في بعض قراراتها وممارساتها في شكل يهمش أمما وثقافات أخرى، وكأن اهتمامها يتركز على دول الغرب دون سواها.
في أحد مؤتمرات "اليونسكو" كانت إحدى الجلسات تتحدث عن حق الجميع في التربية والتعليم وضرورة تكافؤ الفرص للجميع بغض النظر عن العرق، واللون، وجميع العوامل الأخرى، وصادف أن جنود الكيان الصهيوني، وقطعان المغتصبين اعترضوا أطفالا فلسطينيين وهم في طريقهم مشيا إلى المدرسة، وقتلوا مجموعة منهم، وجرحوا عددا آخر، وقد طرحت هذا الحدث، وتساءلت أين "اليونسكو" ومبادئها من هذه الأعمال الإجرامية؟ ولماذا لا تصدر بيانا تندد فيه بهذا الفعل الإرهابي؟ ومع أني تلقيت التأييد من قبل الكثير من ممثلي، ومندوبي الدول الذين سرتهم المداخلة، إلا أن البناء العنصري الذي بنيت عليه الأمم المتحدة يحول بين الساعين لخير العالم، وسلامه، وأمنه، وبين تحقيق آمالهم، وذلك خدمة لمصالح الأقوياء من خلال "الفيتو"، وغيره من آليات صناعة القرار، ولذا لا غرابة في تأبين الإرهابي بيريز داخل "اليونسكو".