دور الجامعات في توعية الطلاب والطالبات
ما زلت في موضوع أبنائنا في الجامعات وكيف يواجهون العقبات نتيجة التباين الشاسع بين بيئة التعليم العام في المدارس وبيئة الجامعات. وقد بينت الدور الذي ينبغي على أولياء الأمور القيام به لتفادي أي إخفاقات قد تواجه أبناءهم خصوصا في المراحل الأولية من التعليم الجامعي. والبعض قد يندهش مما يرى ويسمع ظنا منه أن هؤلاء قد شبوا عن الطوق وأصبحوا راشدين يميزون بين الحق والباطل والحسن والسيئ والغث والسمين، إلا أن كثيرا منهم لم يبلغوا مرحلة النضج بعد ولا نريد أن نحملهم المسؤولية فقد نكون نحن سببا فيما وصلوا إليه من اللامبالاة وعدم الاكتراث.
وفي هذا المقال أريد أن أسلط الضوء على دور الجامعات في مجال توعية الطلاب والطالبات بما ينتظرهم في البيئة الجامعية. فرغم وجود آليات كثيرة وأساليب متعددة لا يكفي مقال كهذا لتغطيتها، إلا أنني سأحاول أن أضع بين يدي القارئ الكريم أهمها وفقا لما نلاحظه في الجامعات من سلوكيات تدل على أن الطالب لا يوجد لديه الحد الأدنى من فهم البيئة الجديدة التي وجد نفسه فيها. أولا وقبل كل شيء ينبغي أن يبدأ الطلاب الجدد حياتهم الجامعية بدورة توعوية لا تقل عن أسبوع تبين لهم كيف تختلف البيئة الجامعية عن مرحلة التعليم العام. يتم فيها شرح أنظمة الجامعة فيما يخص حضور المحاضرات وطريقة حساب المعدل التراكمي وكل ما يهم الطالب الجامعي. ويخصص وقت كاف لزيارة العمادات والإدارات والخدمات التي سيتعامل معها الطالب خلال بقائه في الجامعة مثل عمادة القبول والتسجيل، وعمادة شؤون الطلاب، والمكتبة المركزية، والمعامل، ولا ننسى أماكن العبادة وأداء الصلاة، والمرافق الترفيهية من صالات رياضية وحمامات سباحة وغيرها. وعلى الطالب أن يلزم بحضور هذه الدورة ولا يسمح له بتسجيل المواد دون إثبات حضوره واستيعابه محاور الدورة. ولا نريدها دورة شكلية، بل أساسا فيها نجاح وإخفاق حتى تؤخذ بجدية.
هذا أفضل بكثير من الطريقة البالية التي تنتهجها بعض الجامعات عند استقبال الطلاب الجدد. حيث تقوم الكليات بتجميع الطلاب فرادى وجماعات من قاعات الدرس واصطحابهم إلى المدرجات الخارجية بطريقة عبثية، ثم يقوم عميد الكلية أو من ينوب عنه ورؤساء الأقسام بإلقاء محاضرات تلقينية مملة مبنية على مبدأ افعل ولا تفعل، ما يلبث أن يتسلل الطلاب في الخروج واحدا تلو الآخر وتبقى ثلة بسيطة يستمعون على استحياء إلى التوجيهات والنصائح تعرض بطريقة عفى عليها الزمن.
الطريقة التقليدية التي تنتهجها الجامعات منذ عقود لا تضر ولا تنفع ولن يتمكن الطلاب من استيعاب ما يتلى على مسامعهم لأن طريقة العرض تنقصها الاحترافية وهناك لغة غير مفهومة ومصطلحات غير واضحة في أذهان الطلاب يستخدمها القائمون على اللقاء تحتاج إلى فك رموزها مثل: حذف الفصل، والحرمان، ونسبة الغياب، وطريقة حساب المعدل التراكمي. الاعتذار عن الفصل، والتأجيل، وغيرها. كل هذه المصطلحات يجهلها الدخيل على بيئة التعليم العالي وتحتاج إلى وقت لتثبت في ذهن الطالب ويتم اختزالها في أقل من ساعة.
الخطوة الثانية في توعية الطلاب الجدد وإدخالهم تدريجيا في البيئة الجامعية تتمثل في إعادة دراسة اللوائح التنظيمية لشؤون الطلاب. فقد أسهمت هذه اللوائح في الفوضى العارمة التي يعيشها أبناؤنا وتدفع ثمنها الأقسام العلمية في نهاية الفصل الدراسي. اللوائح الحالية للجامعات أراها السبب الرئيس في جنوح الطلاب وتمردهم على القيم والأعراف الجامعية لأن فيها ثغرات تمكنهم من اختراقها. ينبغي على الجامعات أن تعدل من لوائحها وأنظمتها الداخلية بما يتناسب والمرحلة الحالية التي يعيشها أبناؤنا.
ولتتضح لنا هذه النقطة سأقوم بعرض المثال التالي: يحق للطالب أن يتغيب عن المحاضرات ربع الفصل الدراسي وفقا للوائح الجامعة بل لوائح وزارة التعليم. فمن يتغيب 25 في المائة فأقل من عدد ساعات الحضور الفعلي يبقى طالبا منتظما ويحق له دخول الاختبار النهائي. فإذا تغيب الطالب 40 في المائة فإنه يستطيع تخفيض ساعات الغياب بأعذار من أجل أن يصل إلى 25 في المائة (الحد الأعلى للغياب حسب اللوائح) غير مدرك أن 25 في المائة التي أقرت في اللائحة تعني الغياب للضرورة، أي يحق للطالب أن يتغيب 25 في المائة عندما يحتاج إليها في الحالات الحرجة كالمرض والأحداث السعيدة والمحزنة التي يمر بها خلال دراسته الجامعية. ولكن أصبح هذا حقا مكتسبا ويعد الآن أحد الأعراف التنظيمية في البيئة الجامعية فيتعمد الطالب الغياب إلى ما يقارب نصف الفصل الدراسي ثم يقوم بجدولة الغياب فيخصم ربع هذه الفترة (غياب نظامي) تدعمه في ذلك الأنظمة واللوائح وبقية المدة يغطيها بأعذار من مستوصفات خاصة أو من مستشفيات حكومية أو من مراكز إسعافات أولية تفصل تفصيلا على مدة الغياب.
الطريقة الثالثة لحماية أبنائنا في الجامعات من النظام المفتوح تتمثل في إشراك أولياء الأمور رسميا في مهمة توعية ورقابة سلوكيات وأداء أبنائهم عن طريق منحهم صلاحية الدخول على سجلات أبنائهم والاطلاع على سجلاتهم الأكاديمية ونسبة الغياب والدرجات الفصلية ونحوها. ولا مانع من دعوة ثلة من أولياء الأمور ومن الطلاب أيضا لحضور بعض المجالس العلمية التي لها علاقة بمعالجة حالات الطلاب خصوصا مجالس الأقسام ومجالس شؤون الطلاب للاطلاع على حالات الطلاب التي تعرض على المجالس ليتضح لولي الأمر وللطالب الوضع البائس والفوضى العارمة التي يرتكبها الطلاب في نهاية الفصل وكيف يقوم بتلفيق تقارير طبية بالتعاون مع أفراد في جهات مختلفة تسهل له تفصيل العذر كي يوافق المحاضرات التي تعمد الغياب عنها. وما يذكر عن البنين ينطبق على البنات ولكن بشيء من التكييف يتناسب وخصوصيتهن.
وأريد أن أختم هذه السلسلة عن أبنائنا في الجامعات فأقول إنه يجب أن يؤخذ هذا الموضوع مأخذ الجد فترك الطلاب الجدد في الجامعات يواجهون مصيرهم في هذه البيئة المفتوحة وتعودهم على طرق وأساليب تضر بهم دون علمهم أراه ظلما عظيما وخسارة لموارد بشرية كان من الممكن استثمارها والاستفادة منها لو أحسن توجيهها.