الاستثمارات السعودية في صلب التنمية
لا شك في أن عوائد الاستثمارات السعودية تأتي في الوقت المناسب بالنسبة للمملكة، لأنه (كما هو معروف) تراجع الدخل المحلي الناتج عن النفط بصورة كبيرة في العامين الماضيين، في إطار إصرار الرياض على ضرورة التوصل إلى اتفاق دولي بين المنتجين، من أجل جعل السوق النفطية أكثر استقرارا، والأسعار المتداولة فيها أكثر عدلا واعتدالا. وما حققته هذه الاستثمارات في الربع الثاني من العام الجاري جيد في المعيار الراهن للاقتصاد العالمي بشكل عام وهو ما يزيد من جدوى هذه الاستثمارات، بل يدفع إلى إمكانية توسيعها ولا سيما تلك التي لا تتسم بمخاطر عالية. وارتفاع العائد في الفترة المشار إليها بنسبة 37 في المائة، هو الأعلى مقارنة باستثمارات مماثلة لبلدان تضخ أموالا استثمارية في الخارج.
في الواقع حققت بلدان عديدة تراجعا (وبعضها خسائر) في استثماراتها الخارجية في الأشهر الأولى من هذا العام. وأقدم بعضها على التخارج من عدة مشاريع. والمملكة من البلدان الأعلى من حيث الاستثمارات في الخارج، ولا سيما أن حجمها بلغ 3.6 تريليون ريال في النصف الأول من العام الجاري. ورغم أنها تراجعت من 3.9 تريليون ريال في الفترة نفسها من العام الماضي، إلا أنها تحقق العوائد المرجوة، في وقت ترتفع فيه حدة المخاطر على الساحة الاقتصادية العالمية، بسبب عوامل كثيرة، من بينها الديون الصينية، والخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وعدم اليقين الذي نشره موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الأجواء، والخوف من وصول دونالد ترامب إلى الحكم، والفوائد الصفرية التي تعتمدها غالبية البنوك المركزية الغربية.
وعوائد الاستثمارات السعودية الخارجية، مرتبطة أيضا بالجانب الخاص بـ "الاستثمارات المباشرة في الخارج" التي بلغت أكثر من 290 مليار ريال، ضمن إجمالي الاستثمارات وهي (كما هو معروف) تتوزع على أربعة أنواع من الاستثمارات. وتتبع المملكة سلسلة من المخططات ليس فقط لتنمية العوائد الوطنية، بل أيضا تطوير الأسس التي تقوم عليها، في الوقت الذي تنصرف فيه إلى تنفيذ "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول، والجانب الاستثماري يشكل المحور الرئيس لهذه «الرؤية»، إلى جانب المحاور الرئيسة الأخرى التي أعلن عنها، وبدأت عملية تنفيذها بالفعل، سواء على الساحة المحلية أو الخارجية. فالاستثمارات تشكل رافدا أساسيا للحراك الاقتصادي السعودي، خصوصا في ظل بناء اقتصاد وطني جديد، يأخذ في الاعتبار التحولات والمتغيرات.
والجدوى الاستثمارية لا تنحصر في استثمارات السعودية الخارجية فحسب، بل أيضا في الاستثمارات الأجنبية في المملكة، التي حققت أيضا عوائد مرضية بالنسبة للجهات المعنية بها، ما يزيد من وتيرة المساهمة في تمكين "رؤية المملكة 2030". فهذه الاستثمارات ارتفعت (وفق الأرقام الرسمية) بمعدل 0.59 في المائة في الربع الثاني من العام الجاري، مع انخفاض مفهوم بسيط عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي. ستشهد السعودية في الأعوام المتبقية من العقد الحالي كثيرا من التحولات والتطورات، والأهم كثيرا من الإنجازات على صعيد التشكيل العام للاقتصاد الوطني الجديد.
والاستثمارات كلها الخارجية والداخلية ستكون في صلب هذا الحراك ومحورا رئيسا للتنمية، في وقت تتزايد فيه أعداد الراغبين حقا في دخول السوق السعودية في مختلف القطاعات، ليس فقط نظرا للعوائد المجزية، بل أيضا لما تتمتع به المملكة من وضعية اقتصادية ثابتة، رغم التراجع الكبير في عوائدها النفطية على مدى عامين تقريبا.