القطاع الخيري في المملكة .. «منطقة معتمة»
عند الحديث عن القطاع الخيري كمفهوم عام لا نريد أن نحصر هذا القطاع في التبرعات ومساعدة الفقراء. القطاع الخيري مفهوم أعم وأكبر من ذلك، والأدلة الشرعية والممارسات الدولية توضح ذلك جليا. أن يظل العمل الخيري محصورا في إطار ضيق، أمر غير مقبول، ويؤدي إلى فقد عديد من الفرص الممكنة لتطوير هذا القطاع، وتصنيفه من بين الكماليات أضر به كثيرا. ضعف الإمكانات والقدرات الرسمية التي تتعامل مع هذا القطاع أضعفه كثيرا وجعله قطاعا متخلفا إداريا، وماليا، وجعل تأثيره محدودا ومنفعته غير دائمة. عديدة هي المسميات التي تتعامل مع هذا القطاع بين جمعيات، ومؤسسات خيرية، وأوقاف، وزكاة، ومؤسسات غير هادفة للربح وغيرها ما زاد الأمر تعقيدا وضياعا. الحقيقة أن ما سبق كانت له نتيجة حتمية تتمثل في غياب المعلومات والأرقام التي تمكن الدارسين من دراسة تأثير هذا القطاع، وسبر أغواره من أجل تطوير العمل وتحقيق منفعة مستدامة له. وسأعتمد هنا على بعض المعلومات الواردة في وثيقة "رؤية 2030" (ص73) "لا تتجاوز مساهمة القطاع غير الربحي لدينا (0.3 في المائة) من الناتج المحلي... المتوسط العالمي (6 في المائة)...تبلغ نسبة المشروعات الخيرية التي لها أثر اجتماعي أو التي تتواءم مع أهداف التنمية الوطنية طويلة الأمد (7 في المائة) فقط".
ووفقا لبعض البيانات الصادرة في الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة الشؤون الاجتماعية "العمل والتنمية الاجتماعية" للعام المالي 1434-1435هـ فإن عدد الجمعيات الخيرية في المملكة نحو 686 جمعية (جمعية لكل 43731 فردا) تتركز أعمالها في عشرة مجالات هي رعاية الأمومة والطفولة، رعاية المسنين، مكافحة الأمية، إعداد وتأهيل السيدات والفتيات بتدريبهن على بعض الأعمال المهنية، تقديم الخدمات الصحية، رعاية العجزة والمعوقين، رعاية الأيتام، إنشاء وتحسين المساكن للمحتاجين، العناية بالمرافق العامة، وتقديم المساعدات العامة.
وفقا للتقرير السابق وفي الصفحة (229) البيانات الخاصة بالجمعيات وعدد أعضائها ومجالس إداراتها وإعداد العاملين فيها، نجد أن مجالس الإدارات وأعضاء الجمعيات العمومية فيها يفوق عدد العاملين (وإن كنت أشك في هذه البيانات)، حيث يعمل في هذه الجمعيات (بعد إعادة العمليات الحسابية) أقل من 22 ألف عامل. أكثر من 51 في المائة غير سعوديين (1.09 في المائة رجال، 50 في المائة نساء) في حين يشكل السعوديون أقل من 49 في المائة (45.78 في المائة رجال، 3.13 في المائة نساء). لا شك أن هذه الأرقام تعد مخجلة بكل المقاييس وتحتاج إلى دراسات معمقة.
دعونا نقارن ما سبق ببعض الأرقام من الولايات المتحدة وفقا للمركز الوطني للإحصاءات الخيرية NCCS حتى هذا العام بلغت المؤسسات المعفاة من الضرائب أكثر من 1.57 مليون جهة (70 في المائة جمعيات خيرية، 6.6 في المائة مؤسسات خاصة، 23.4 في المائة منظمات غير هادفة للربح أخرى). في عام 2010 بلغت الرواتب المدفوعة للعاملين في القطاع الخيري 9.2 في المائة من مجموع الأجور والرواتب المدفوعة في الولايات المتحدة، في عام 2014 كانت نسبة مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي تمثل 5.3 في المائة. وفي عام 2013 حقق القطاع غير الهادف للربح إجمالي إيرادات يوازي 1.74 تريليون دولار، في حين بلغ إجمالي المصروفات 1.63 تريليون دولار (21 في المائة تحققت من التبرعات والهبات والمنح الحكومية، 72 في المائة من عائدات خدمة البرنامج، التي تشمل الرسوم الحكومية والعقود، 7 في المائة من مصادر "أخرى" بما في ذلك الرسوم والإيجارات). كما يبلغ إجمالي موجودات القطاع في العام ذاته ثلاثة تريليونات دولار.
"رؤية المملكة 2030" اهتمت بهذا الشأن وتطمح إلى رفع إسهام القطاع غير الربحي في الناتج الإجمالي إلى 5 في المائة، وتهدف إلى رفع نسبة المشاريع الخيرية التي تتواءم مع أهداف التنمية الوطنية وذات الأثر الاجتماعي لتصل إلى 33 في المائة، كما تسعى لتأهيل مليون متطوع في القطاع الخيري. لا شك أنها آمال متفائلة جدا، وتحتاج إلى إعادة تشكيل لهذا القطاع ودمج جميع القطاعات ذات العلاقة بدلا من التشتت بين الجهات المختلفة.