تجاوز اقتصادي مؤلم
مع بداية العام الدراسي وصلتني عدة رسائل من شركات تدريب في الداخل والخارج كلها تنطلق من مفهوم اقتصادي مستهلك وخاطئ في الروح إن لم يكن في المفهوم والمرحلة. يقوم المفهوم على مركزية التدريب وأنه دون الملايين من السعوديين واستقطاب عشرات الآلاف من المدربين من دول في أغلبها لم تنجز الكثير مع الإصرار على تعليم المتدربين اللغة الإنجليزية كي يتحقق توطين مؤثر. تكتمل الكذبة حين نصر على أن يذهب أكثر من 90 في المائة من خريجي الثانوية العامة للجامعات وحتى الابتعاث بتأهيل ناقص وأحيانا مخجل تحت مسمى رفع درجة التعليم. هذا وجه واحد من التجاوز المؤلم، الوجه الآخر أنه لا بد للمواطن أن يكون "متعلما" كي ينافس الوافد بينما الوافد ليس متعلما.
التركيبة العمالية في المملكة واضحة. هناك نحو أربعة ملايين عامل منزلي وعامل نظافة وإنشاءات وهناك مليون في تخصصات متقدمة في التمريض والطب والهندسة والفنيين إلى عدة آلاف من الاستشاريين والمحامين والاقتصاديين والمصرفيين. لذلك هناك أكثر من ثلاثة ملايين وافد في أعمال لا تتطلب غير الحماية ودرجة من التحفيز المقبول. ما يهم هنا أن هؤلاء الملايين ليس لديهم تعليم أعلى من تعليم السعوديين بل إن أكثر من 70 في المائة من الوافدين تعليمهم ثانوية عامة أو أقل وأحيانا من جامعات في الدول المجاورة أقرب إلى فترة انتظار ومصنع شهادات كما تتجه بعض الجامعات لدينا. هذا عن التحليل الأفقي بينما التحليل الرأسي يكشف درجة التهرب من القرارات الفاعلة بدرجة أكثر ألما حيث التدريب الحقيقي من خلال الحاجة والعمل وليس معهد تدريب كما كان واضحا من المعاهد الصحية وغيرها. تكتمل الدائرة الخادعة حين نصر على التدريب بينما تحتاج الوظيفة إلى حماية ومنافسة وتحفيز وفرز. أصبح التدريب السطحي الوجه الآخر لعدم ترقي المواطن فنيا ومعرفيا.
جاءت المادة 77 من نظام العمل (لم تفعَّل حسبما ذكر لي محام مختص) كنقطة بداية للفرز والمنافسة ولكن الحماية لم تأت وبالتالي سقط الفرز. الحماية تأتي في إلغاء إقامة هؤلاء تدريجيا وفي مدة أقصاها ثلاث سنوات، تبدأ بـ 10 في المائة في أول ستة أشهر من الآن. بدا وكأننا في بحث وعجلة واستعداد لدفع تكاليف تدريب وتوظيف واستشارات ورقابة دون عائد لأننا لا نريد أن نواجه الواقع بصراحة. يبدو لي أن هذا التوجه المحموم للتدريب مصدره نظرة مثالية جزئيا، وجزئيا أحد مظاهر الاستهلاك الحديثة، حيث النخبة منشغلة بتقليد الآخرين ولذلك ترى أن المواطن يجب أن ينتظر حتى يصل إلى مستوى الياباني والسويسري كي يستحق الوظيفة، يساعده على ذلك رجل أعمال نفعي (أحد الجوانب النفعية قبول شركات كبيرة ومؤثرة بسياسة الإسناد ما يخرج المواطن من المنافسة والتدريب الحقيقي لمصلحة الوافد ورجل الأعمال). مع الوقت تطور نموذج لا يخدم المواطن أو الاقتصاد ولذلك يجد الجميع أن التدريب السطحي والجامعات الهزيلة مكان للراحة والتهرب. أصبح التدريب مصدر أعمال لتدريب من لا نحتاج إلى أن ندربه في الأغلب. اكتملت الدائرة غير الاقتصادية ولكنها مصلحية ولذلك خسر الجميع إلا الوافد ومن يستفيد منه.
يقابل إلغاء الإقامة تفعيل المادة 77 (تسهيل التخلص من المواطن غير المنتج) وتقليل المقبولين في الجامعات كي نستحضر نموذجا آخر بعيدا عن التسطيح والتهرب والكذب الفني. التحول الحقيقي أن يكون للمواطن دور فاعل في السلسلة الاقتصادية وليس منظرا أو موظف حكومة أو متدربا غير محترف أو طالبا غير مستعد. دعنا نأخذ مسافة حقيقية لإعادة المواطن إلى سوق العمل ثم نفكر في تدريب البعض. لا بد للأيدي أن "تتنظف" بالعمل ونترك الهراء غير الاقتصادي. لا بد من كسر الطبقة الوسطى من التركيبة العمالية الوافدة، ثم العمل على الطبقة العليا التي تحتاج إلى تدريب مختلف نوعيا.