اقتصاد السياحة .. في حساب الربح والخسارة
لقد أصبح القول: "إن السياحة صناعة" أمرا مسلما به، فهي توظف الموارد الاقتصادية من أجل إنتاج القيمة، وهذه القيمة يمكن تبادلها ومن ثم توجد الثروة للمجتمع، ولكن هناك قيد اقتصادي قلما نتنبه له في صناعة السياحة في المملكة، فلا يمكن إنتاج وتعظيم القيمة بغير أن تتضافر جميع عوامل الإنتاج اللازمة (وليست المتاحة فقط) وبتكلفة أقل من القيمة الناتجة لنا، فتوافر عنصر أو عنصرين قد لا يكون كافيا للوصول للقيمة اقتصاديا، واقتصاديا هنا يعني أن تتفوق القيمة المنتجة على قيمة كل العوامل التي تم توفيرها، لهذا من المفترض إعداد دراسة عن واقعنا السياحي من خلال دراسة كل الموارد المتاحة وتكلفتها، ومن ثم بناء منظومة صناعية متكاملة تحقق قيمة أعلى.
إن الإشارة إلينا كبلد سياحي هنا من قبيل القبول بها جدلا، فالمملكة لديها المئات من المواقع الأثرية الهائلة التي ترجع في كثير منها إلى عصور قديمة وقبائل العرب البائدة، وهناك مناطق تمثل شغف المغامرة مثل الصحراء والجبال الشاهقة، وهناك مناطق بحرية مدهشة وفرص للاستكشاف البحري والبحث عن حطام السفن البحرية منذ مئات السنين، وهناك الغوص في الخليج وغيرها من العجائب، كما توجد المناطق الجنوبية والسواحل، هذا إضافة إلى ما تتشرف به المملكة من وجود الحرمين على أراضيها وقبلة المسلمين وحجاج بيت الله، كل هذا مع استثمارات بالمليارات في الطرق والنقل البري، وهناك أكثر من 25 مطارا في المملكة، ولكن رغم هذه الموارد جميعها فإنها غير كافية لإيجاد قيمة سياحية بذاتها، وأي أنشطة سياحية أو محاولات لبناء صناعة سياحية اعتمادا على الموارد الذاتية للبلاد ستتسبب في هدر الفرص، حيث إن القيمة السياحية الناتجة أقل بكثير من قيمة هذه الموارد مجتمعة. والسبب في ضعف القيمة السياحية النهائية الناتجة من استثمار مواردنا المتاحة يعود إلى عدم قدرتنا الحالية على توفير "كافة" الموارد التي تحتاج إليها صناعة السياحة ولم نستطع حتى الآن استكمال جميع حلقات سلسلة القيمة ومن ثم إنتاج قيمة أكبر مما استخدمناه من الموارد.
فحتى اليوم لم تزل مواردنا البشرية، أقل بكثير مما تحتاج إليه صناعة السياحة، وعندما نتحدث عن الموارد البشرية فنحن لا نتحدث عن سعودة شقق مفروشة، بل نحن نتحدث عن خبرات متخصصة في الفندقة، وخبرات في الترفيه، وخبرات في التجوال السياحي، والأهم من كل هذا هو عالم الابتكار وريادة الأعمال في هذا المجال، لقد تربعت دول عديدة على عرش السياحة العالمية بما تقدمه من برامج سياحية يشرف عليها متخصصون في صناعة هذه البرامج، وتوفير الأجواء التي يبحث عنها كل سائح كل في مجال هوايته، وتشويقه، وابتكار لا نهاية له. إننا بحاجة إلى العقل المنظم، ومع الأسف فإننا نقف في آخر الصف تقريبا فيما يتعلق بجذب العقول المنظمة للعمل السياحي، العقول المتخصصة في بناء الاستراتيجيات السياحية لكل مورد سياحي على حدة، بل لكل مؤسسة سياحية، أمر نادر للغاية في المملكة، وفي جانب البحث عن الموارد فإن أكبر ما ينقصنا لبناء صناعة السياحة في المملكة، وبالتالي إنتاج قيمة تتفوق على ما نستهلكه من موارد رأس المال المغامر، رأس المال الذي يقبل المخاطر. رأس المال السياحي في المملكة لا يتسم بالمغامرة، وليس الخوف من المغامرة يتعلق بالخسارة المتوقعة بل لأن الأنظمة في المملكة خاصة في الأمانات والبلديات غير مستقرة، وهو أمر يجعل المخاطر غير محسوبة، وبالتالي تصبح المغامرة أيضا غير مقبولة، وإذا أضفنا إلى ذلك عدم رغبة الأمانات في دعم الاستثمار السياحي من حيث توفير الأراضي السياحية وتوفير التسهيلات من طرق ومواقف وخدمات، كل هذا يجعل رأس المال جبانا في تحمل مخاطر الاستثمار السياحي في المملكة، وما دام الحديث هنا عن الموارد الناقصة لصناعة السياحة في المملكة فإن أهم ما ينقصنا هو ابتكار القيمة السياحية واستخدام التقنية في ذلك.
لهذا فإن الحديث عن السياحة في مقام الربح والخسارة يشير إلى حاجتنا الماسة إلى دراسة الموارد المتاحة وتكلفة استخدام هذه الموارد من أجل إنتاج قيمة سياحية يرغب المستهلكون في شرائها، حيث تكون العوائد أعلى من كل التكاليف، ثم يجب علينا أن نعتمد على اقتصاد المعرفة ونقل التجربة واستخدام التقنية في ضخ أكبر قدر من الموارد بتكلفة أقل ممكنة.