إعادة الجدولة .. من مستشارك؟
يكثر الحديث هذه الأيام عن موضوع إعادة الجدولة، وهو يستحق هذا القدر من الاهتمام لأنه يمس شريحة كبيرة من المجتمع ونتج كاستجابة لإجراءات استثنائية. ينبئ الموضوع كذلك عن ممارسات جديدة من الجهات الممولة ويثير عديدا من الأسئلة الأخرى التي ترتبط بالوضع المالي الشخصي للمواطن. إذا وقفنا عند النقطة الأخيرة لوجدنا أن إعادة الجدولة لا ترتبط إلا بجزء محدود من التحديات المالية التي يواجهها المواطن. فهو يريد كذلك أن يعيش باكتفاء ويحل مشكلات الزواج والسكن والدراسة والتنقل اقتراضا وادخارا ويتعامل مع التزاماته الدورية المستمرة ويحدد بعض ملامح المستقبل المالي الذي سيواجهه مع أسرته.
السؤال الذي يطرح نفسه: من هو مستشار إعادة الجدولة المستقل الذي يمكن المواطن المتضرر من اتخاذ القرار السليم عند تعامله مع واقع جديد وأطراف مختلفة (المصرف، مؤسسة النقد، مكان عمله، واقع أسرته)؟ هل هناك ضمانات أو أي مؤشرات تبعث على الاطمئنان أن الموافقة على إعادة الجدولة هنا تتسق مع طموحات وخطط هذا المواطن ولا تهوي به في وضع يصعب الخلاص منه؟ دعونا نوسع الدائرة قليلا، لو كان القرار لا يخص إعادة الجدولة فقط وإنما يرتبط بقرار آخر يخص حالة المواطن المالية، كالحصول على تمويل جديد أو بيع العقار الوحيد أو تحسين مستوى الدخل، هل سيجد المواطن مستشارا ملائما يحوز ثقته ويستطيع الاعتماد عليه؟ لو كان هذا المستشار موجودا ويسهل الوصول إليه، هل سيهتم المواطن أساسا بالبحث عنه والتواصل معه؟
تتضح لنا بجلاء القضية التي تؤثر في جودة حياة المواطن وفي مستوى الدخل العام عندما ننظر إلى اختلاف الآراء الحاصل حول مسألة إعادة الجدولة. تتوحد معظم الأطراف في الضغط على متخذ القرار وتقل خياراته في الوقت نفسه مع غياب مصدر الاستشارة الجيد والموثوق. المسألة ليست إعادة جدولة فقط، وإنما غياب مؤثر للمرونة الكافية والمعرفة الملائمة والسلوك الجيد وهذا يزيد من تحديات المتغيرات الاقتصادية بشكل استثنائي على الفرد غير المجهز معرفيا وسلوكيا وعاطفيا. ومع ذلك نجد أن النصائح الفوضوية تأتي من قليلي الخبرة وأحيانا في صيغ رسائل مجهولة المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي. كل قرار مالي يواجهه المواطن يمر بتجربة مشابهة لما تفعله إعادة الجدولة اليوم عند عدد غير قليل من المواطنين.
تحدثت سابقا عن الدور المضاعف الذي يجب أن يقوم به المواطن بصفته الشخصية ليسد الفراغ المتأصل في الخيارات الاستثمارية والادخارية المتاحة له. يكمن الحل في التفوق على الوضع السلبي بالمعرفة والأداء، التكيف مع الوضع السلبي لا يعني أن نصبح سلبيين كذلك، وإنما أن نسبقه ونؤثر فيه. ولكن في الحقيقة لا تزال معظم الأطراف – خصوصا الجهات الحكومية والخاصة - المرتبطة بالسلوكيات المالية للمواطن بعيدة عن التقليل من حجم هذا الفراغ؛ لا يوجد ما يدل على تحسن صنع المواطن للقرار المالي مقارنة بخمس أو عشر سنوات سابقة. لهذا أشدد على نقطتين مهمتين في هذا الموضوع، الأولى أن يقوم المواطن بالتأسيس المالي والحصافة المدعومة بالوعي والانضباط، فالتحديات القادمة كثيرة ولا يستطيع أن يعتمد على غيره أو على العشوائية ليتخذ قراراته. النقطة الثانية أن تحاول الجهات المعنية بث مزيد من التوازن بفتح خطوط أو برامج جانبية تسعى لدعم المواطن أثناء اتخاذ القرار، كل ما يتطلبه الأمر مصدر معلن يمكن الثقة به ويقوم بتقديم المشورة المخصصة بشكل عاجل لمن يحتاج إليها. وهكذا تتحسن السلوكيات المالية ويصبح التعامل مع المتغيرات ومع عملاء التمويل أقل خطرا، وفي الوقت نفسه يزيد من مصداقية واستقلالية هذه الجهات بدل أن يتوه المواطن وحيدا في أجواء صاخبة غير واضحة لا يعرف فيها العدو من الصديق.