قلق أقل لدى المستثمرين في الذهب
يبدو أن القاعدة القديمة التي يعرفها الجميع حول الذهب، لا تزال الحقيقة الماثلة على الساحة الاقتصادية العالمية. ولم تتغير بالفعل (رغم كل التحولات والصدمات والأزمات)، بقي هذا المعدن الملاذ الآمن، بصرف النظر عن أي اعتبارات. وهو أيضا ملاذ سهل، أي أنه لا يحتاج إلى متابعة وقلق وحسابات كبيرة من جانب مالكه. إن المعدن الذي ينشر الطمأنينة لدى المستثمر فيه، لا يبلي بالطبع الرغبة الحاضرة دائما لديه بتحقيق الأرباح الكبيرة أو السريعة، من تلك التي تمنحها الأسهم، التي تمنح أيضا مساحات واسعة للخسائر المفاجئة، بل الصادمة أحيانا. ببساطة، ما توفره المجالات الاستثمارية الكثيرة من أرباح لا يوفره الذهب، لكن الأخير يحتفظ دائما بميدانه الآمن، الذي يرضي شرائح واسعة من المستثمرين، خصوصا أولئك الذين لا يحبون المخاطرة، أو الذين سئموا من المفاجآت الاستثمارية ــ الاقتصادية المدمرة.
وبالطبع عندما يكون وضع الاقتصاد العالمي غير واضح ومتغير بصورة متسارعة، يتصدر الذهب المشهد الاستثماري ــ الادخاري. ومنذ انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية قبل ثماني سنوات، لم تتضح الصورة الثابتة للاقتصاد، أو الشكل الأكثر استدامة، على الرغم من قيام الحكومات بسلسلة كبيرة من الإجراءات التي لا تعالج آثار الأزمة المشار إليها فحسب، بل توفر أدوات لمنع حدوث مصيبة اقتصادية مماثلة في المستقبل. ربما تعاون العالم بشكل كبير في أعقاب الأزمة الكبرى تحت وقع ضرباتها التي لم توفر أحدا، لكنه عاد من جديد إلى التعاون الجزئي، وفي بعض الأحيان عادة إلى حالة "اللا تعاون"، الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى التعافي المأمول للاقتصاد العالمي، وبالتالي زاد من ضبابية المشهد العام على الساحة العالمية.
يعترف الجميع بأن الذهب من الأصول التي لا تجلب عوائد كبيرة، لكنه يأتي بمستويات أقل من القلق لدى المستثمرين. ورغم ذلك، أضاف المعدن النفيس إلى سعره 26 في المائة في العام الجاري، بينما تحقق الأسهم والسندات والعقارات أرباحا لا يمكن للذهب تحقيقها تحت أي ظروف. غير أن الأمان يبقى في عالم اقتصادي ضبابي متوتر، العنصر السائد في التعاطي مع الذهب. بعض المستثمرين الجريئين ينظرون إلى المستثمرين في الذهب على أنهم "مستثمرون خاملون". والأمر ليس كذلك في الواقع، لأن "الجريئين" نالوا ما يكفي من خسائر، في حين كان الأمر معاكسا على ساحة الذهب. إنها (مرة أخرى) القاعدة التقليدية القديمة "حافظ على أموالك في مكان آمن"، حتى إن بقيت على حالها، خصوصا عندما تكون احتمالات خسارتها في مكان آخر عالية.
وحتى في الاستثمار في الذهب، هناك مجالات أكثر خطورة من غيرها. أي أنه ليس السلعة الثابتة تماما بأدوات الادخار فيها، لكنها تبقى الأكثر أمانا. والمسألة واضحة، فللمخاطرة "ضرائبها" كما للسلامة "ضريبتها" أيضا. في الأزمة الاقتصادية العالمية طارت حتى أموال المودعين الثابتة في حساباتهم، فكيف الحال في مجالات أكثر حراكا ومخاطر ومفاجآت وتقلبات وتأثيرات؟ الفوارق بين مجال وآخر في عالم الاستثمار كبيرة. آفاق بعضها أكثر وضوحا من الآخر، وهنا تكمن جودة الحراك الذي يرغب المستثمر في القيام به. وحتى المستثمر الأكثر خبرة ليس محصنا من المفاجآت أو المتغيرات. ولذلك يبقى الذهب في أوقات الأزمات الملاذ الأفضل بالنسبة لأولئك الذين لا يريدون المخاطرة في وضع اقتصادي غير واضح، بل في بعض الأحيان وضع مبهم، تبدو آفاقه المستقبلية أخطر من حقائق ماضيه.