معالجة خلل الائتمان في المصارف أولى من إعادة الجدولة
قبل أسبوع تقريبا صدرت قرارات مجلس الوزراء بتعديل وإلغاء وإيقاف عديد من المزايا والمكافآت المالية لموظفي الدولة المشمولين بالقرار، في جميع الأجهزة الحكومية بما في ذلك المؤسسات والهيئات العامة والصناديق وغيرها من الأشخاص ذوي الصفة المعنوية العامة الأخرى. وقد جاءت أول ردة فعل من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي، حيث وجهت المصارف العاملة في المملكة بإعادة جدولة الديون على المتأثرين بهذه القرارات. وبالتأكيد فإن إعادة الجدولة خبر غير جيد، فهو يشير إلى أن القدرة الائتمانية والقدرة على الدفع من جانب المقترضين قد تأثرت بالقرارات بشكل جوهري، أو على الأقل هذا ما تتوقعه مؤسسة النقد. والسبب الرئيس في توقعات المؤسسة السيئة بضعف قدرة عديد من المقترضين على السداد يعود في المقام الأول إلى مشكلة في تقييم الائتمان عند المصارف، وهذا ما لم تحاول مؤسسة النقد أن تتجنب محاسبة المصارف عليه منذ بدأت مشكلة تضخم القروض العقارية والاستهلاكية في الظهور، وذلك على الرغم من عشرات إذا لم نقل مئات التقارير الصحافية والدراسات عن تضخم هذه المشكلة. فمن الواضح أن كثيرا من قرارات الإقراض بنيت على قاعدة غير صلبة من تقييم التدفق النقدي للمدين وهي البدلات والمكافآت، والجميع يعرف أن هذا النوع من الدخل غير مستقر على المدى المتوسط؛ فكيف إذا كان القرض والتنبؤ به سيتم على المدى البعيد؟ لقد كان من المفترض على المصارف ألا تعتمد على مثل هذه المكافآت في تقدير الملاءة المالية للمدين في قروض تتجاوز المدى القصير، وإذا كانت معظم القروض تتجاوز أعمارها خمس سنوات وهي المدى المتوسط في القرارات الاقتصادية، فكيف يمكن القول إن قدرة المصارف على التنبؤ سليمة وموثوقة، عندما تتجاوز مدة القرض المدى المتوسط إلى المدى البعيد، خاصة أننا نعيش في منطقة مضطربة بطبيعتها، والتقلبات الاقتصادية حادة نوعا ما. كان لا بد أن تقوم مؤسسة النقد بمحاسبة المصارف على هذا الخطأ وتحميلها جزءا من التكلفة بدلا من مكافأتها على ذلك بإعادة الجدولة ورفع رقم الأرباح المتوقع على المدى الطويل.
القضية الثانية في هذه المسألة الشائكة، أن إعادة الجدولة ليست بالموضوع السهل، فحصر المتأثرين بالقرارات مسألة معقدة، فضلا عن قياس حجم التأثير نفسه. كما أن الجدولة تتضمن حتما زيادة مدة السداد وهذا له تبعات مهمة جدا، فالممارسة السائدة الآن هي أن المصارف تحتسب الفائدة على القرض ثم تلزم المشتري بسداد قيمة الفائدة أقساطا قبل أن يتم تسديد القرض، بمعنى أن السنوات الأولى من السداد هي لقيمة الفائدة وليست للقرض، وهذا معناه أن جميع ما تم سداده حتى الآن لعدد غير محدود من المقترضين هي لأقساط الفائدة فقط، بينما بقي أصل الدين غير مسدد، وهذه الممارسة السيئة سيكون لها أثر غير عادي في جدولة الدين، فهذا معناه أن ما تم سداده حتى الآن لن يؤثر في حجم الدين بل سيضاعفه، كما أن المصارف ستخرج من هذه الطريقة بفوائد لا حصر لها، وسيكون المتضرر هو المقترض بدلا من أن نخفف عليه، سنزيد الأعباء أكثر. وبمعنى آخر فكأن ما سيتم هو إعادة إقراضه المبلغ نفسه ولكن بشروط جديدة، لهذا نعتقد أنه يجب تصحيح عملية السداد التي تمت، بحيث يتضمن كل قسط جزءا من قيمة القرض الأصلي، ومن ثم احتساب ما بقي من قيمة القرض وتحديد الآجل الجديد والفوائد الجديدة على المدد الإضافية.
خلاصة القول، إن الهدف من توجيهات مؤسسة النقد التخفيف على المقترضين من ذوي الدخل المحدود خاصة المتأثرين منهم بقرارات مجلس الوزراء، هذا الهدف يجب أن يتحقق دون أن تترتب على ذلك مضاعفة تكلفة القرض على المواطن، وبغض النظر عن شرط عدم رفع سعر الفائدة الموقع عليه في العقد، لكن إجمالي الفائدة بعد إعادة الجدولة سوف يزيد بلا أدنى شك وهذا يخل بالهدف الذي سعت من أجله المؤسسة، كما أن الوضع الراهن يشير إلى خلل أصيل في عملية منح الائتمان في المصارف، وهو خلل قديم لم تقم المؤسسة بمواجهته وحله قبل أن يتفاقم، وإذا كان من المحتمل أن تضطر الدولة لأي سبب إلى إيقاف عدد آخر من البدلات فهل ستقوم المؤسسة بتوجيه جديد حينها بإعادة الجدولة؟