«الكونجرس» ملعبا للوبيات .. و«جاستا» بقي بالأضابير سنوات وتحرك في 60 يوما
منذ الأربعاء الماضي والنقاش يحتدم؛ في الأوساط العربية والأمريكية على حد سواء، حول مشروع القانون الذي يسعى الكونجرس الأمريكي إلى إقراره بعد إبطال الفيتو الرئاسي عليه (348/77)، والمعروف بقانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" JASTA.
قانون يرى الكثيرون أن اعتماده سوف يكون القشة التي ستقصم ظهر البعير في العلاقات الأمريكية الدولية والعربية على رأسها السعودية. وذلك بالنظر إلى الدور المركزي للرياض في الإقليم العربي في السنوات الأخيرة من ناحية، والتقارب التدريجي الملاحظ أخيرا بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن على حساب مصالح شعوب المنطقة العربية من ناحية أخرى.
قانون قديم جديد
إن مشروع القانون هذا بقي في الأضابير سنوات طويلة، وتحرك بسرعة قياسية خلال الشهرين الماضيين بطريقة تثير أكثر من استفهام. فالفكرة الأولى لهذا المشروع تعود إلى عام 2004 بعد صدور تقرير لجنة الكونجرس عن أحداث 11 سبتمبر، وكان يرمي إلى تعديل قانون صدر في عام 1967 يعطي حصانة لبلدان أخرى من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتقضي مسودة هذا القانون بتمكين عائلات ضحايا اعتداءات الثلاثاء الأسود من مقاضاة دول قد يكون مواطنوها متورطين في عمليات إرهابية. وبلغة القانون فـ «جاستا»، يعدل القانون الجنائي الفيدرالي حيث يقلص نطاق حصانة الدول أو الأشخاص الأجانب بالإذن للمحاكم الأمريكية بنظر قضايا ضد دولة أجنبية في أحداث إرهابية. بصيغة أخرى فالقانون يتيح إمكانية الترافع في قضايا مدنية ضد دولة أجنبية أو مسؤول أجنبي لطلب تعويضات عن إصابات أو موت أو أضرار ناجمة عن عمل من أعمال الإرهاب الدولي.
يفهم ضمنا أن مشروع القانون هذا جاء للتصدي للتبرير القضائي الذي قدمته المحكمة الفيدرالية في نيويورك، الذي جاء فيه "أن الهجوم خطط له خارج البلاد، أي إذا كان هناك تورط لدول أجنبية وتخطيط خارج البلاد فليس هناك مجال لمقاضاتها"، إذ يفضي القانون الحالي إلى أنه وأينما خطط للهجوم سواء كان خارج البلاد أو داخلها، يمكن تقديم دعوى قضائية في الموضوع.
سابقة في القانون
تؤسس مسودة القانون هذه لسابقة نوعية في تاريخ القانون، بل إنها تهدم مبدأ أصيلا هو صمام الأمان وضمان استقرار الدول لعقود من الزمن ألا وهو الحصانة السيادية. معلنا بذلك عن أزمة قانونية دولية فهذا المشروع الذي حظي بتصويت سياسي بامتياز؛ خصوصا وأن الكثير من البرلمانيين صوتوا وأعينهم على تجديد ولايتهم في الانتخابات المقررة الشهر المقبل، دون أدنى اعتبار للقانون الدولي ولا للعلاقات الاستراتيجية لأمريكا.
بتبني هذا القانون سوف تحيد الولايات المتحدة الأمريكية عن ميثاق الأمم المتحدة بين الدول، وتقوض مبدأ الحصانة التي تحمي الدول ودبلوماسييها من الملاحقات القانونية، كما أنه قد يعرضها في القادم من الأيام لدعاوى قضائية أمام المحاكم في جميع أنحاء العالم.
الواضح أن قانون "جاستا" يحيد عن المعايير والممارسات المعمول بها منذ فترة في الأعراف السيادية بين الدول، إذ المضي على هذا الطريق سيزعزع المبادئ الدولية القائمة، منذ فترة طويلة بشأن الحصانة السيادية ويضع مكانها قوانين، إن طبقت على الصعيد العالمي، يمكن أن تكون لها تداعيات خطرة على المصالح الوطنية لهذا البلد أو ذاك.
وعلق الرئيس الأمريكي بارك أوباما على هذه التطورات التشريعية بقوله: «إن رفع الحصانة السيادية، في المحاكم الأمريكية، عن الحكومات الأجنبية، التي لم يتم تصنيفها كدول راعية للإرهاب من شأنه أن يهدد بتقويض هذه المبادئ التي حمت الولايات المتحدة وموظفيها منذ فترة طويلة». ولفت النظر إلى أن سن هذا القانون يمكن أن يشجع الحكومات الأجنبية على العمل على أساس المعاملة بالمثل والسماح لمحاكمها المحلية بممارسة الولاية القضائية على الولايات المتحدة أو المسؤولين الأمريكيين بما في ذلك رجالنا ونساؤنا في الجيش بزعم وقوع إصابات في الخارج عن طريق دعم الولايات المتحدة لأطراف ثالثة.
سارع الاتحاد الأوروبي من جهته إلى رفض هذا القانون، واعتبره اعتداء واضحا على سيادة الدول، ومخالف لكل ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة بخصوص حرية سيادة الدول، ومبدأ المساواة بين الدول، التي باعتماد هذا القانون لن تتعدى كونها كلمات على ورق، فالقانون يجردها من قيمتها تماما.
جبهة جديدة للهيمنة
بعيدا عن النقاش القانوني لهذا الملف السياسي الذي تحركه لوبيات في الكواليس؛ فالكونجرس أضحى ملعبا للوبيات، وفي مقدمتها اللوبي الصهيوني وغيره من شركات ولوبيات أخرى ذات طابع شعبي، ما يتضح معه أن الابتزاز هو العنوان الواضح وراء القانون. فهذا المشروع يعد الأخطر لأنه يؤسس «لمشروعية قانونية» تفتح الطريق أمام معركة مكلفة من ملامحها تسهيل عمل «اللوبيات» السياسية لتلتقي مع خطط منظمي الحملات الإعلامية وتحركات مجموعات الضغط.
يبدو أن رجال الكونجرس لا يدركون جيدا المنعطف التاريخي الذي يمر به العالم العربي، فهو بين مطرقة التهديدات الإرهابية لـ"داعش" وربيباتها، وسندان التمدد الإيراني في بعض الدول العربية. جبهات قطعت الرياض الحزم بالتصدي لها بتولي مركز القيادة في المنطقة، ما يعني أن أي استهداف لها هو ضمنيا استهداف لبقية الدول العربية، وخير دليل ما وقع مع إيران أخيرا.
ما سبق نخلص إلى أن الساسة في أمريكيا يلعبون بالنار أمام برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة دون أن يدركوا ذلك، فميزان الربح والخسارة يجعل أمريكا في موقع المتضرر الأول من أي تحرك عربي لدعم المملكة العربية السعودية ضد هذا الابتزاز التشريعي، فهل في البيت الأبيض رجل رشيد ينذر عشيرته الأقربين من خطورة هذا اللعب؟!