«2020 ميزانية منضبطة» .. عقد اجتماعي جديد يراهن على قوة النقد لا كميته

«2020 ميزانية منضبطة» .. عقد اجتماعي جديد يراهن على قوة النقد لا كميته
المملكة بشرعيتها السياسية المتفق عليها وبكثير من البرامج الاقتصادية الإصلاحية الطموحة في قلب "الأمل".

"ميزانية منضبطة بحلول 2020" هدف قريب في عمر الزمن. وتحدٍ كبير بحكم الظروف المحيطة. لم يتنازل عنه برنامج التحول الوطني. وبدأ في خطواته الفعلية منذ اللحظات الأولى لتدشين البرنامج. رافعا الإيرادات غير النفطية ومحققا نسبة نمو مبدئي معقولة في ظل ركود عالمي. وصولا إلى قرارات الترشيد الأخيرة، المؤثرة ولا شك في حجم المصروفات. كل ذلك يأتي في إطار من الإشهار والمشاركة الشعبية مبشرا بـ "عقد اجتماعي" سعودي جديد، لطالما غيّر بمفهومه السياسي والاقتصادي العام مجريات تاريخ كثير من الدول إلى الأجود والأكفأ، حيث التكاتف والتنازل عن بعض الوفرات أو الميزات الخاصة، حكوميا واقتصاديا، للمصلحة العامة مطلب، والتوافق غاية كل تقدم.

استقرار سياسي

والسعودية بشرعيتها السياسية المتفق عليها وخطواتها الاقتصادية الإصلاحية. ليست مستثناة من هذا الأمل. بل هي في قلبه اليوم بكثير من البرامج والقرارات الجريئة. كان آخرها إعادة النظر في كمية النقد لمصلحة قيمته وقوته. إذ ينتقل العمل وفق مقتضيات التحول وفي أفق "رؤية 2030" من القطاع الخاص مكمن "العرض" إلى مصدر" الطلب" أي أصحاب الأجور الثابتة من موظفي القطاع العام، بدءا بالدرجات الوظيفية الأعلى، لضبط ميزانية عامة يبنى عليها كثير من المشاريع التي تصب في خدمة المواطن ومنفعته. ووفقا لمعطيات الاقتصاد وحقائقه المجربة فإن النظر بعين المساواة لطرفي معادلة العرض والطلب هو أساس كل إصلاح وطني وغايته، فالوفرة النقدية الورقية كميا لا تعني بالضرورة اقتصادا قويا ومنافسا، بل قد تعني في كثير من الحالات بابا محتملا لتضخم اقتصادي. المتضرر منه بالدرجة الأولى أصحاب الأجور المحدودة الذين تتدهور دخولهم لكونها ثابتة وتغيرها يحدث ببطء شديد وبنسبة أقل من نسبة ارتفاع المستوى العام للأسعار، لذلك فإن منفعة أصحاب الدخول الثابتة – الطبقة المتوسطة - تكون في استقرار القوة الشرائية لعملة البلد أكثر من زيادات سنوية رتيبة غير مقترنة بالأداء والإنتاج يقابلها غالبا ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، لا يستفيد منها إلا فئة محدودة، منذرا بأسوأ ما يمكن أن يشهده الاقتصاد؛ توزيع الدخل القومي بين طبقات المجتمع بطريقة غير عادلة.

مشاركة شعبية

ووصف التحول الوطني 2020 بالعقد الاجتماعي ليس من قبيل المبالغة، اذ استوفى منذ انطلاقه كثيرا من شروطه وأشكاله، فشفافية الإعلان والمشاركة الشعبية في صياغة متطلباته ووضع أهدافه بنهاية عام 2015 مباشرة قبل الإعلان المغاير شكلا ومضمونًا عن ميزانية عام 2016 بما لها وعليها. إشارات جدية متتالية توجت بإعلان "رؤية 2030" على يد عرّابها الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ورئيس مجلس الاقتصاد والتنمية، بتوجيه من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبمباركة الأمير محمد بن نايف ولي العهد، لتكتمل الأركان القيادية والشعبية لهذا العقد الماضي في استشراف مستقبل البلاد بكثير من الرؤى والطرح المغاير محليا ودوليا.
ففي قائمة تتألف من 110 صفحات من السياسات والأهداف التي ينبغي للوزارات والهيئات الحكومية أن تعمل عليها وتحققها في الفترة 2016-2020، يحدد برنامج التحول الوطني 543 إصلاحا محددا، بتكلفة تبلغ 270 مليار ريال سعودي "72 مليار دولار أميركي"، كما يهدف برنامج التحول إلى زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل، من 22 في المائة اليوم إلى 28 في المائة بحلول عام 2030، وهذا، جنبا إلى جنب مع تحسين الدعم والفرص للشريحة السكانية السريعة النمو من الشباب، من شأنه أن يخفض معدل البطالة من 11.6 في المائة إلى 9 في المائة في غضون السنوات الخمس المقبلة.

شراكة عالمية

فيما الزيارات المتتابعة غربا وشرقا، التي قام بها الأمير محمد بن سلمان مع فريق عمله الحكومي، لتقديم "الرؤية السعودية" وفرص تمكينها، واصلت النهج ذاته لكسب ثقة الأسواق العالمية، ما يوجد بدوره فرصا استثمارية مباشرة، متنوعة ومتعددة، تعزز حضور النقد السعودي وقوته، بوصفه عامل إنتاج حر لا بوصفه محل ربط واستهلاك فقط، كما يريد له كثير من القوى الاقتصادية المعادية. فمن قوة النقد والاقتصاد المنتج ينبع كثير الأدوات السياسية المؤثرة، فضلا عن استمرار الرفاهية الاجتماعية الحاصلة والمتحققة.
يبقى أن "الترشيد والكفاءة" مفتاحان مهمان لتأطير "رؤية 2030" وتفهم مقتضياتها القاسية والناعمة، فالتحول من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط فقط، لاقتصاد منتج ومتنوع يقتضي بالضرورة سياسات مالية واقتصادية حازمة تعيد هيكلة ما ترهل على مر السنين من أنظمة ولوائح، مع الأخذ في الاعتبار كفاءة من يشغل هذه الهياكل ويقوم عليها من مواطنين ومقيمين، وتحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب لتفادي التضخم وكبح اقتصاديات الظل التي ظلت لعقود تقتات على مقدرات البلاد وخيرات مواطنيها.

الأكثر قراءة