«جاستا» قانون ضد القانون
لم تتوقف الانتقادات (بل والهجوم) على ما سمي" قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب – جاستا"، على المستوى الدولي. فهذا القانون لا يوفر العدالة لأي جهة، وإنما ينشر التوتر والاضطراب في العلاقات الدولية، لسبب واحد فقط، هو أنه ينال من سيادة الدول. وهو قانون من ناحية عملية ضد القانون الدولي نفسه الذي شاركت الولايات المتحدة نفسها في إقراره. ولهذه الأسباب وغيرها جاء اعتراض الإدارة الأمريكية على القانون الذي أقره الكونجرس ومجلس الشيوخ، رغم الفيتو الرئاسي الشهير. البيت الأبيض يعرف حجم الأضرار المتوقعة من هذا القانون، وتحرك في اعتراضه من هذا المنطلق، وليس دفاعاً عن هذه الدولة أو تلك. إن المسألة واضحة، لا يمكن أن يستهدف القضاء الأمريكي سيادة الدول.
ورغم أن القانون لا يختص بالمملكة، إلا أنها جاءت المستهدفة الأولى على اعتبار أنه صدر أساسا من أجل أسر ضحايا هجمات الـ 11 من سبتمبر، التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف شخص. الخارجية السعودية كانت واضحة منذ المراحل الأولى لصدور مثل هذا القانون الغريب، وحذرت في أكثر من مناسبة من مغبة إقراره بالفعل، وعرضت الأضرار التي ستنجم عنه. وبعد إقرار (جاستا) كانت واضحة تماما في إدانته، لأنه يشكل مصدر قلق كبير. المسألة هنا تتعلق بطبيعة العلاقات التي تجمع السعودية والولايات المتحدة، والآثار التي سيتركها مثل هذا القانون في هذه العلاقات. وترك الباب مفتوحا للكونجرس الأمريكي من أجل اتخاذ الخطوات اللازمة، لتجنب العواقب الوخيمة والخطيرة.
إنه كلام واضح جدا، في الوقت الذي توالت فيه عمليات الهجوم على (جاستا) حتى من قبل حلفاء الولايات المتحدة الغربيين، الذين وجدوا أنه سيفتح المجال أمام دول العالم لسن قوانين مماثلة ستنال بالطبع من الولايات المتحدة نفسها. ومما لاشك فيه، أنه لدى عديد من البلدان كثيرا من الملفات التي يمكن أن تفتحها في هذا المجال، خصوصا أن النشاط العسكري (وغير العسكري) الأمريكي يمضي في كل الاتجاهات على الساحة الدولية. لا يمكن بأي حال من الأحوال احتواء (جاستا) أو التقليل من آثاره السلبية الخطيرة، إلا بالحكمة المطلوبة من الجانب الأمريكي. فالعلاقات بين الدول ليست مادة يمكن اللعب فيها على الساحة المحلية، والمحاكم المحلية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقاضي دولا ذات سيادة وفق تشريعات الأمم المتحدة.
البرلمان الفرنسي نفسه وجد أن (جاستا) سيؤدي إلى اندلاع ما أسماه "ثورة في القانون الدولي"، مشيرا إلى العواقب السياسية الكبرى له. وكان قد أوضح هنا أيضا أنه بطرح إمكانية أن يقوم مواطنون فرنسيون بمقاضاة الولايات المتحدة في مجال الإرهاب أيضاً. في الغرب والشرق، انطلقت الهجمات على (جاستا)، مفندة الخروقات التي سيتسبب فيها، بل والفوضى القانونية التي ستظهر على الساحة العالمية بسببه. ما يؤكد مجدداً أن (جاستا) ليس إلا قانونا محليا يستهدف جهات لا دخل لها به فعلا. فهل يعقل أن توجه اتهامات إلى المملكة بدعم الإرهاب، بينما كانت أول البلدان التي تعرضت له بأشكال ومستويات مختلفة؟! والسعودية، كانت من أول الدول أيضا التي وضعت الاستراتيجية اللازمة لمحاربة الإرهاب، وخصصت لها الدعم المالي والمعنوي، فضلا عن تعاونها اللامحدود في هذا المجال مع جميع دول العالم، وفي مقدمها الولايات المتحدة نفسها.
(جاستا) ليس قانونا بالمعايير القانونية، هو في الواقع أداة تتصادم مع القانون الدولي الذي لا يحق لأي دولة في العالم أن تقوم بتحديه لأسباب محلية. فكيف الحال والأسباب التي استند إليها (جاستا) مثيرة للسخرية أصلا؟