مياهنا الجوفية .. ومنسوبها الحرج
قضية استنزاف الماء لا تقل بحال من الأحوال عن أهمية البترول في حياة هذه الأمة الصحراوية. وقد نستطيع العيش والبقاء على الوجود دون بترول، ولكننا لن نستطيع العيش دون ماء. والكل منا يعرف ويدرك أن مصادرنا المائية جوفية، كانت قد تكونت قبل عشرات الألوف من السنين وتحت ظروف مناخية قد لا تعود إلى سابق عهدها. تكونت المياه الجوفية نتيجة لهطول أمطار غزيرة يصعب تخيل مداها، خلال عشرات الألوف من السنين. فقد كانت تسيل الأودية بلا توقف، فتروي الأرض وتنساب كميات هائلة من المياه إلى الطبقات الصخرية الرسوبية التي تحملها اليوم. وظل الإنسان البسيط الذي كان يعيش على أرض الصحراء خلال آلاف السنين يستمد حاجته من المياه الجوفية التي كان مستوى عمقها لا يتعدى بضعة أمتار وبلادنا خالية تماما من الأنهر والبحيرات وشحيح فيها نزول الأمطار. هذه حقائق يعرفها الصغير والكبير والجاهل والمتعلم. كان ذلك إلى جانب ما يتساقط من الأمطار التي كانت تتضاءل كمياتها مع مرور الوقت حتى عصرنا الحاضر. كان الاستهلاك، سواء الشخصي أو الزراعي، متواضعا جدا، إذا قيس بما نمارسه اليوم من إسراف هائل في استهلاك الماء يفوق ضعف استهلاك الشعوب التي تنعم بوجود أعداد كبيرة من الأنهر والبحيرات وأمطار لا تكاد تتوقف. هل هو عدم إدراك منا لخطورة الوضع أم ضعف في ثقافة الترشيد أم غياب تام للوعي؟ فالمسألة تتعلق بمصير الأمة، ونحن نسير نحو زمن قادم سوف يتميز بشح مخيف في مصادر المياه، في الوقت الذي نكون فيه قد فقدنا كثيرا من مصادر الطاقة وتضاعف عددنا عدة مرات.
لم يأل المسؤولون في وزارة المياه المتعاقبة جهدا في محاولة نشر الوعي بين المواطنين حول أهمية ترشيد استخدام المياه، سواء الاستهلاك المنزلي أو الاستهلاك الصناعي والزراعي. والأخير يمثل أكثر من 90 في المائة من استهلاك الماء في المملكة. وإذا لم يكن هناك استجابة إيجابية من أفراد المجتمع فقد يضطر المسؤولون إلى فرض نوع من الضغوط المادية التي تساعد على عملية الترشيد، ومراعاة الحكمة في التعامل مع هذا المصدر الحيوي من مقومات حياتنا الصحراوية. لقد اجتهد المخلصون من أبناء هذا البلد الطيب في الحث على التوعية الاجتماعية وعلى إحداث نوع من النظم التي تساعد على حماية منابع الماء من العبث والتهور في استنزافه، خصوصا في المجال الزراعي غير المنضبط. وكان الأحرى بنا أن نفرض رسوما على الاستخدام الجائر للماء في جميع المجالات حتى نضمن ترشيد الاستهلاك. وإلا فسوف نجد أنفسنا خلال عقود قليلة بلا ماء، في وقت يكون الدخل الرخيص من البترول قد ولى وتركنا نعوم فوق رمال الصحراء لا قدر الله.
وعندما نتحدث عن مستقبل المياه في بلادنا، تعود بنا الذاكرة إلى عقود مضت ونحن نسمع عن دراسات استراتيجية، من المفترض أنها تظهر لنا كميات المياه الجوفية التي تحتضنها أرضنا وعمرها الافتراضي، آخذين في الاعتبار نمو كميات الاستهلاك المسرف ونسبة النمو السكاني في المملكة. حتى الآن، حسب علمنا، لم تقم الجهات المسؤولة بنشر أي معلومات عن المصادر المائية لكي يكون المواطن على علم بما يخبئ له المستقبل. ونحن هنا نتحدث عن مصير الأمة، وليس فقط عن امتداد عصر الرفاهية الحالي. فالمواطن يهمه أن يعرف ما بقي من عمر المياه الجوفية القابلة للاستخراج بالطرق المتيسرة حاليا. أهي 300 سنة، وبعدها يكون إن شاء الله خيرا، أم أن الله يستر بضعة عقود؟ نحن الآن الأكبر إنتاجا في العالم لتحلية مياه البحر، وهي عملية مكلفة وازدهارها اليوم مواكب للعصر الذهبي لدخل البترول. ولكنها معرضة لعوامل سلبية كثيرة. فاحتمال تلوث مياه البحر بالإشعاعات النووية أو انسكاب المواد البترولية أمر وارد، خصوصا مياه الخليج العربي، ومعامل التحلية بوجه عام عمرها محدود وصيانتها عالية التكاليف، فقد ينتهي عمرها في الوقت الذي نكون فيه قد فقدنا نسبة كبيرة من دخل البترول، فيصعب علينا ماليا أن ننشئ معامل تحلية جديدة ومرافق مساندة، مثل محطات الضخ وخطوط الأنابيب.