التعليم ليس الخيار الوحيد لتحقيق العدالة الاجتماعية

التعليم ليس الخيار الوحيد لتحقيق العدالة الاجتماعية

يعرف التعليم العالي على أنه المحرك الأساس للحراك الاجتماعي، ولكن قد يصبح عكس ذلك!
أصبحت فرصة الحصول على تعليم عال قضية سياسية عاجلة في الولايات المتحدة، وذلك في ظل تراجع الحراك الاجتماعي وسياسة عدم المساواة. فقد ولت الأيام التي كانت فيها شهادة الثانوية العامة والحصول على وظيفة تقليدية تتيح للأسرة العيش في اكتفاء نسبي. إذ أصبح التسلح بشهادة جامعية المخرج الوحيد لعائلات الطبقة الوسطى لتأمين مستقبلهم، في الوقت الذي يكافئ فيه الاقتصاد العالمي الموظفين من حملة الشهادات الجامعية ودرجات علمية متقدمة، ويصعب على العمال والمهنيين إيجاد وظيفة براتب ومزايا أقل.
وسط الجدل الحالي حول موضوع عدم المساواة ينظر إلى التعليم العالي باعتباره الخيار الأنسب لتحقيق العدالة الاجتماعية. ولكن ما الطريقة المثلى لتحفيز الطلاب المحرومين للالتحاق بالكليات؟. ركزت عديد من الحلول المطروحة على الجانب المالي، على سبيل المثال تقديم إعفاءات ضريبية على الدراسة، أو منح قروض طلابية مضمونة من الحكومة الفيدرالية. وما لا شك فيه، أن هذه القروض ساعدت ملايين الطلاب في أمريكا على الالتحاق بالجامعات. ولكن لا يوجد أي تغير ملموس في حجم الفجوة بين الطلاب المقتدرين ماديا والفقراء في الولايات المتحدة.
ظهور الذكاء الاجتماعي: تشمل ورقة العمل 120 مقابلة شبه منظمة مع ثلاثة أجيال مختلفة من الأمريكيين: طلبة جامعيون حاليون، وآباؤهم، والجيل الأكبر من الذين تخرجوا في المدرسة الثانوية في عام 1959. طلبنا من الأشخاص الذين قابلناهم إطلاعنا على توقعاتهم ومشاركتنا خبراتهم في مجال التعليم العالي، بما في ذلك الخطوات التي اتخذوها للالتحاق بالجامعات. عند قيامنا بتحليل النتائج بناء على الوضع الاجتماعي، برزت تناقضات مثيرة للاهتمام.
يلعب الوضع الاجتماعي دورا مهما في تحديد قدرة الآباء والطلبة على تحقيق طموحاتهم. حيث أظهرت الدراسة بشكل عام استعداد الآباء من الطبقة الوسطى لتكريس الوقت ودفع مبالغ كبيرة من المال لإلحاق أبنائهم بجامعات مرموقة. مستفيدين من علاقاتهم الاجتماعية الجيدة مع أقرانهم والمدرسين والمهنيين المحترفين في سبيل تحقيق ذلك، إضافة إلى وضعهم خططا مالية بعيدة المدى لضمان استكمال أبنائهم تحصيلهم العلمي.
لم تولِ الطبقة العاملة الاهتمام ذاته، فلم يكن لديها الإدراك الكافي للتغلب على الصعوبات التي قد تواجهها عند التقدم للكلية أو دفع مصاريفها. تراجع الذكاء الاجتماعي: بقيت فجوة الذكاء الاجتماعي عائقا كبيرا أمام الحراك الطبقي في الولايات المتحدة وهذا ليس بالأمر الجديد. روى لنا أشخاص قابلناهم قصصا تعود لعام 1959، توضح كيف تغيرت متطلبات الذكاء الاجتماعي منذ سنوات الازدهار بعد الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا. باختصار، يمكننا أن نقر بتراجع الذكاء الاجتماعي على الصعيد الشخصي، كما أنه يتطلب ثمنا باهظا.
لا نطالب بالعودة إلى الظروف الاجتماعية التي كانت سائدة في خمسينيات القرن الماضي، ولكن من اللافت هذا التناقض بين قصص ما بعد الحرب، ومحنة الطامحين من الطبقة العاملة في يومنا هذا. فمن النادر جدا في الوقت الحالي أن تحصل أسر الطبقات العاملة على المساعدة من أشخاص غرباء.
مشكلة الكليات الربحية: أدى تسهيل فرص الحصول على تعليم عال في الولايات المتحدة إلى زيادة عدد الكليات الربحية. حيث تضم هذه الكليات 10 في المائة من مجمل عدد طلاب الجامعات في أمريكا على سبيل التقدير، وتستنزف بشكل سنوي 33 مليار دولار من المساعدات المالية الاتحادية سنويا. وبسبب الممارسات غير النزيهة لهذه الجامعات كاتِّباع برامج غير معتمدة بهدف جذب الطلاب، أصبح القطاع سيئ السمعة. وبحسب تقارير وزارة التعليم الأمريكية، يشكل طلاب الكليات الربحية ما يقارب النصف من مجموع القروض الطلابية المتعثرة.
يقع على عاتق صناع القرار التفكير في حلول لمعالجة قضية عدم تساوي فرص الحصول على تعليم عال، ويمكن البدء بتضييق الخناق على الكليات الربحية التي تستغل باستخفاف فجوة الذكاء الاجتماعي الموجودة، ومعالجة المشكلة من جذورها. اتخاذ خطوات جدية لزيادة فرص الطلاب المحرومين للالتحاق بالجامعات، يعتبر جزءا من الحل، ولكنه ليس حلا في حد ذاته. يجب أن نعطي الأولوية لإعادة تمكين الذكاء الاجتماعي في المجتمع، ما يعطي الطلبة من جميع الخلفيات الفرصة للاستفادة منه.
حان الوقت لإعادة التفكير بمدى كفاءة عقلية أحقية الجميع في الحصول على تعليم عال. حيث كان بمقدور كثيرين في السابق بغض النظر عن مستواهم التعليمي، مزاولة إحدى المهن التي تضمن للطبقة الوسطى نوعا من الاستقرار الوظيفي والاكتفاء الذاتي. اتخاذ تدابير أساسية كرفع الحد الأدنى للأجور من الممكن أن يكون له دور كبير في استعادة خيارات تلك الطبقة العاملة. كما هو واضح فإن الغاية من الالتحاق بالجامعات في ظل سياسة الخصخصة، يهدد بتقويض كل من المبادئ الديمقراطية والاستقرار الاقتصادي.

الأكثر قراءة