نحو إحصائيات دقيقة للتنمية
يجد الباحثون والمختصون عناء شديدا في الوصول إلى المعلومات والبيانات، ويتحفظ عديد من المسؤولين عن الإفراج عما لديهم من معلومات باعتبارها من أسرار العمل، وربما بالخوف من إساءة توظيف المعلومات، أو تحاشيا لنقد الجهة في عدم دقة وشمول معلوماتها، وهناك مؤشرات بالفعل أثارت جدلا وتباينا في الآراء مثل معدلات البطالة والفقر ونسبة الإسكان، علما بأن المسؤولية، التي لا جدال فيها، محددة بالهيئة العامة للإحصاء باعتبارها الجهة المعنية المخولة رسميا بكل تلك الأرقام والبيانات وهي تقوم في الفترة الأخيرة بجهد طيب وتطوير لآليات عملها، كما أن بعض الأرقام التي تنشرها منظمات وهيئات عالمية مأخوذة من هيئة الإحصاء. ويبدو أن الإفراج عن البيانات والإحصاءات لم يكن سوى عينات أو تقديرات أولية وهو أسلوب جرى عليه العمل على مدى سنوات طويلة حتى أصبح من سمات تعامل المصلحة مع الأرقام التي يجب التعامل معها وفق ما تم من تغيير حيوي فعال تتطلبه التحولات التنموية الكبرى التي تشهدها بلادنا من ناحية، والتطورات الهائلة في تقنية المعلومات.
إن البيانات المتعلقة بالبطالة والفقر ومستوى المعيشة والأسعار والاستهلاك وغيرها أصبحت تحتاج إلى جهود لتطوير الأداء والإنتاج الرقمي، ولكن يجب تجاوز معضلة عدم المزامنة أو تأخير البيانات عن توقيت الإفصاح عنها، فهناك تقارير دولية تصدر عن بلادنا من جهات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتطرح تلك المنظمات والمؤسسات الدولية في تقاريرها بيانات شديدة الحداثة ما يعني أن المسألة ليست في مرجعية جمعها والحصول عليها.. وإلا كيف يتسنى لها ذلك ولا تقوى على مثله مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، ومن المؤكد أن هناك قصورا في النماذج والأداء والأسلوب وربما الأهداف أيضا.
إن القفزة التي حققتها المملكة على صعيد التنمية البشرية تحققت في ظل تنفيذ استراتيجية تنموية مستدامة ترسم بصورة متتابعة معالم الاقتصاد السعودي، الذي يحاكي الاستحقاقات المحلية والإقليمية والعالمية، وهي استحقاقات تتصل بقضايا كثيرة، وتراكمات ناجمة عن اقتصاد ريعي سابق، وعن ظروف لم يعد لها وجود ولذا فإن من المهم أن تكون أي خطوة تتقدم بها المملكة على صعيد التنمية البشرية مصحوبة بأرقام وبيانات وإحصاءات دقيقة مبنية على أحدث طرق ووسائل الإحصاء العلمي والتطبيقي، تصب في عملية التشكيل الجديد للاقتصاد الوطني الكلي. وأي إنجاز يتم تحقيقه في مجال الإحصاء يدعم تلقائيا مسيرة التنمية المستدامة.
إن الأرقام والحقائق تسهم في دفع عجلة بناء اقتصاد السعودية بوتيرة أسرع، خصوصا في ظل قيادة الحراك الاقتصادي من أعلى هرم الحكم في البلاد. فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يقوم بمتابعة شخصية لمجمل الحراك الاستراتيجي الهائل، بل إنه تقدم جميع المسؤولين بدعوة المؤسسات الاستثمارية العالمية لدخول السوق السعودية وفق المعايير والأسس الوطنية. ساحة المملكة مؤهلة الآن أكثر من أي وقت مضى، لشراكات استثمارية تنموية كبرى، وهي قادرة على استيعاب كل شكل من أشكال الاستثمار وكل حجم لها أيضا. والأصول المالية مع الإصلاحات الاقتصادية التاريخية أيضا توفر مزيدا من القوة للأرضية الاستثمارية، سواء لأولئك الآتين من الخارج، أو لرؤوس الأموال الوطنية والعربية.