«قوة النظام» .. ومعالجة «الملوثات البصرية»
أحد الأصدقاء دعا لمنزله في شمال الرياض ضيوفا من إحدى الدول الغربية، وعندما جاء بهم للمنزل قالوا له، وهم يشاهدون الردميات ومخلفات البناء تملأ الحي، لماذا لا تتم إزالتها من قبل أصحاب الأراضي سواء تلك التي يحوطون بها أراضيهم أو تلك التي رميت فيها من قبل الآخرين؟ ولماذا لا تزال من قبل أصحاب المساكن الذين أخرجوها في مرحلة الحفر وتركوها بالقرب من مساكنهم بعد البناء؟ ولماذا لا تزال الردميات والمخلفات التي على الطرقات وجنباتها من قبل البلدية إذ إنها مسؤولة عن منع رميها بهذه الطريقة المقززة؟ هل تعيشون بشكل طبيعي في ظل هذا التلوث البصري المقيت؟ ألا يوجد لديكم نظام معني بنظافة الحي وتشجيره ليكون بيئة سكنية صحية؟ ألا يؤثر ذلك في حالتكم النفسية؟
يضيف صديقي قائلا وقعت في حيرة من أمري فأنا رغم عدم رضاي عن نظافة الحي فيما يتعلق بانتشار وتراكم الردميات ومخلفات البناء بشكل مستفز ومقزز يؤثر سلبا في نفسياتنا، وعدم رضاي عن المرافق الخدمية في الحي خصوصا لجهة غياب الحدائق والتشجير، إلا أنني في الوقت ذاته أريد أن أدافع عن بلدي باعتبار أن ما لاحظوه منقصة ولا يتفق مع النهضة الحضارية التي نعيشها، ولذلك قلت لهم لا شك أننا غير راضين، ولن يستمر الوضع هكذا، وستقوم البلدية قريبا بمعالجة كل ذلك، وخصوصا أنها تتعاطى مع مشكلات قديمة، وأن العمل جار في الأحياء تباعا وسيصلون لحينا قريبا بعد اكتمال الأبنية وخدمات البنى التحتية، ولكوني غير مقتنع بما أقول فإني أتوقع أنهم لم يقتنعوا.
التقطت من حديث صديقي تساؤل ضيوفه بشأن وجود “نظام” معني بنظافة الحي، وتساءلت لو أن هناك نظاما صارما يجعل كل مواطن يبني منزلا مسؤولا عن ترحيل مخلفاته إلى الأماكن المخصصة لذلك، نظام يجعل كل صاحب أرض مسؤولا عن نظافة أرضه خصوصا إذا كانت الأراضي كبيرة كالبلكات مثلا، ويعاقب بأشد العقوبات التي تصل لحجز السيارة وترحيل السائق والحبس لكل من يرمي المخلفات في أراضي أو شوارع الحي، لو أن نظاما صارما موجودا ومطبقا هل نصل لهذه الحالة من التلوث البصري الذي تعانيه معظم الأحياء التي يستمر التطوير فيها لمدة تتجاوز في كثير من الأحيان 30 سنة، فضلا عن مدد توصيل الخدمات لها عبر عمليات الحفر والدفن المتكررة؟
لكي أجيب عن هذا السؤال دعونا نتحدث عن موضوع آخر وهو السرعة الهائلة على الطرق السريعة خصوصا تلك التي تربط المدن والقرى التي سببت لمستخدميها المخاطر والحوادث القاتلة، فضلا عن الضغوط النفسية أثناء السفر برا وكيف تمت معالجتها في الآونة الأخيرة بشكل كبير وملحوظ من قبل المسافرين برا حيث لاحظ الجميع اعتدال السرعة، والتزام معظم السائقين بالسرعة المسموح بها، وانحسار أعداد الطائشين الذين يسيرون على كتف الطريق بسرعة هائلة مع استخدام الإضاءة العالية المزعجة فما السبب؟
إنه النظام الشديد الصارم حيث صدرت لائحة جديدة للغرامات تحمِّل المخالف غرامات كبيرة والحبس وسحب الرخصة والسيارة في حال تكرار المخالفة، وتم تطبيقها بنشر مزيد من كاميرات الرصد الآلي “ساهر”، ومن خلال نظام “باشر” وهو تطبيق إلكتروني على الأجهزة الذكية لتسجيل المخلفات المرورية من قبل رجال المرور حتى وهم خارج دوامهم الرسمي ما جعل الجميع يخشى السرعة لأنه لا يعرف أي سيارة فيها شرطي مرور يمكن أن يخالفه من خلال جهازه الذكي المزود بتطبيق “باشر”، أضف لذلك دوريات المرور السري التي ترصد وتضبط وتخالف، والنتيجة كما لاحظها الجميع على الخطوط السريعة التزام بالسرعة المحددة وتجنب كل أنواع المخالفات فأصبحت القيادة مريحة ومطمئنة وآمنة.
قضية أخرى وهي جودة محطات الوقود على طرق السفر التي عانيناها لسنوات طويلة ولم تتم معالجتها إلا بقوة النظام الذي سعت هيئة السياحة والتراث لإصداره، وتم إصداره من قبل باعتماد لائحة جديدة لمحطات الوقود ومراكز الخدمة لتحسين وضع مراكز الخدمة ومحطات الوقود على الطرق الإقليمية وتم تطبيق النظام بصرامة من قبل البلديات المعنية من خلال آلية متكاملة لمتابعة تطبيق اللائحة بالتنسيق مع إمارات المناطق تتضمن إغلاق المحطات ومراكز الخدمة التي لا تتجاوب مع ما يطلب منها لتصحيح أوضاعها وعدم السماح بإعادة فتحها وتزويدها بالوقود إلا بعد تنفيذ كل الاشتراطات الواردة في اللائحة.
وكانت النتيجة أن وجد المسافرون في محطات الوقود الجديدة حاجتهم بدرجة عالية من الجودة والنظافة من حيث وجود المطاعم والبناشر والمساجد بجميع ملحقاتها من دورة مياه ومتنزهات للأطفال، حيث راعى ملاك محطات الوقود حديثة الإنشاء متطلباتهم وتوفير كل ما يحتاجون إليه من خدمات حتى أصبح المسافر يرتاح في هذه المحطات لساعات هو وأفراد أسرته دون ملل أو تقزز من سوء الخدمة وانعدام النظافة كما هو الوضع سابقا.
إذن النظام القوي وتطبيقه الصارم يحلان مشكلات عالقة ومعقدة في شهور أو أسابيع قليلة وبالتالي فإن مشكلة المخلفات والردميات المنتشرة بين المساكن وعلى الطرقات يمكن معالجتها وبسرعة متى ما صدر النظام القوي والتطبيق الصارم وخصوصا أن التقنية الحديثة تساعد على ذلك وتسهله.
أتطلع إلى أن تصدر وزارة الشؤون البلدية والقروية نظاما قويا يطبق بصرامة لإزالة الردميات ومخلفات البناء ويمكن أن تستخدم الأجهزة الذكية كما هو حال نظام “باشر” المروري ليتمكن موظفو البلدية والمتعاونون معهم من رصد المخالفات وضبط المخالفين ومن ثم معاقبتهم أولا بأول لنرى أحياءنا خالية من الملوثات البصرية في مدة وجيزة.