تراجع الطاقات الاحتياطية قد ينعش الأسعار

أسعار النفط لا تزال ترزح تحت 50 دولارا للبرميل ساعة إعداد هذا المقال، حيث إن إمدادات النفط والمنتجات وخصوصا البنزين لا تزال وفيرة حتى مع استمرار ارتفاع الطلب العالمي على النفط. في هذا الجانب، لا تزال وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن ينمو الاستهلاك العالمي للنفط بمعدل 1.3 مليون برميل في اليوم في عام 2016، في حين أن الإنتاج وخصوصا من خارج "أوبك" في تراجع. ديناميكية الأسواق هذه تشير إلى أن الأسواق تقترب نوعا ما من حالة التوازن، على الرغم من أن سرعة تحقيق هذا التوازن ما زالت موضوع جدل ساخن.
ولكن على المدى القصير، المستويات القياسية من مخزونات النفط الخام والمنتجات المكررة منعت أسعار النفط من الارتفاع. في نهاية شهر آب (أغسطس)، كان لدى الولايات المتحدة نحو 525 مليون برميل من مخزونات النفط الخام و232 مليون برميل من البنزين. كلا الرقمين أعلى بشكل حاد من متوسط معدل السنوات الخمس الماضية وأعلى من مستويات العام الماضي. وشهدت المخزونات فقط انخفاضا طفيفا عن مستوياتها القياسية المسجلة في وقت سابق من هذا العام. ما لم تبدأ مخزونات النفط الخام والمنتجات المكررة بالانخفاض بقوة أكثر من ذلك بكثير، فإن أسعار النفط ستستمر تناضل كي ترتفع، مثلا فوق 50 دولارا للبرميل.
على الرغم من أن المستويات غير العادية من مخزونات النفط الخام والبنزين تشير إلى أن الأسواق تعاني وفرة كبيرة في المعروض، إلا أن هناك احتمالية من أن الأسواق قد تعاني قريبا من حالة معاكسة.
في هذا الجانب، يعتقد عديد من محللي النفط أن المستوى المنخفض للطاقات الإنتاجية الاحتياطية في جميع أنحاء العالم يشير في الواقع إلى أن أسواق النفط هي أكثر تشددا مما تبدو عليه للوهلة الأولى. نعم صهاريج التخزين هي أعلى ما كانت عليه في أي وقت مضى، ولكن يتعين علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار أيضا مقدار الطاقات الإنتاجية الفائضة المتوافرة لدينا.
تمتلك المملكة العربية السعودية معظم الطاقات الإنتاجية الاحتياطية في العالم، أي هي الدولة الوحيدة التي لديها القدرة على رفع أو خفض الإنتاج بصورة كبيرة متى شاءت على مدى بضعة أسابيع. لكن المملكة، لدعم حصتها السوقية، صعدت الإنتاج إلى مستويات قياسية في هذا الصيف، تجاوز 10.6 مليون برميل في اليوم، وهذا أسهم في زيادة المعروض في الأسواق لكنه في الوقت نفسه تركها بطاقات احتياطية أقل.
"أوبك" ككل دفعت أيضا إنتاجها إلى مستوى قياسي. في هذا الجانب، توقعت كل من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية أن الطاقات الإنتاجية الاحتياطية للمنظمة قد انخفضت إلى 1.4 مليون برميل في اليوم، أي نصف ما كنت عليه قبل سنوات قليلة ومنخفضة للغاية مقارنة بالمستويات التاريخية. آخر مرة كانت الطاقات الإنتاجية للمنظمة منخفضة إلى هذه الدرجة بين عامي 2004 و2008، وهي الفترة التي شهدت ارتفاعا غير مسبوق في أسعار النفط وصل في ذروته قرب 150 دولارا للبرميل.
في الوقت نفسه، تراجع الاستثمار بصورة كبيرة في مصادر جديدة للإمدادات بسبب انهيار أسعار النفط. في هذا الصدد، قالت شركة وود ماكينزي إن مستوى الاكتشافات الجديدة للصناعة النفطية في عام 2015 كان الأقل فيما يقرب من 70 عاما، وهي الآن تتوقع أن تكون الاكتشافات في هذا العام حتى أقل من ذلك. هذا وقد خفضت الصناعة أيضا الإنفاق على المشاريع بصورة كبيرة جدا للفترة ما بين 2015 - 2020 قد تتجاوز تريليون دولار، لذلك من المتوقع أن تظل وتيرة الاكتشافات الجديدة متواضعة. وهذا قد يؤدي إلى قلة الإنتاج الجديد وتباطؤ الإنتاج الحالي، حيث إن الصناعة لا تستثمر بشكل كاف في التقنيات التي تطيل عمر الحقول.
لذلك على مدى السنوات القليلة المقبلة هناك إمكانية لحدوث شح في الإمدادات الجديدة لقلة عدد المشاريع التي أعطيت الضوء الأخضر خلال العامين الماضيين. مع ارتفاع الطلب العالمي على النفط، قد تتحول الوفرة الحالية في العرض إلى عجز. ارتفاع مستوى المخزون قد يخفف من الصدمة، ولكن وفرة الخزين هذه قد تستنزف مع الوقت.
عادة، في مثل هذه الظروف يمكن أن تتدخل "أوبك" من خلال الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لتوفير بعض الإمدادات. لكن "أوبك" وخصوصا المملكة العربية السعودية، قد رفعت بالفعل إنتاجها إلى مثل هذه المستويات العالية. من دون القدرة على توفير إمدادات إضافية كافية، يمكن أن تتشدد الأسواق بشكل غير متوقع. ولأن المشاريع الجديدة عادة تأخذ وقتا لتنجز، فإن استجابة العرض قد تستغرق شهورا أو حتى سنوات كي تتحقق.
إذا ما استمر الطلب في تزايد والصناعة لم تستجب لإضافة العرض المطلوب، فإن الطاقات الإنتاجية الاحتياطية الحالية سوف لن تكون كافية لمواكبة النمو، وهذا سوف يتسبب في تشدد الأسواق وارتفاع الأسعار. لكن ارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية يتطلب نموا قويا في الطلب بما يكفي ليطغى على الإمدادات ويهبط بالمخزون إلى مستويات متدنية. في هذا الصدد، قالت وكالة الطاقة الدولية في أحدث إصدار لها عن حالة أسواق النفط أنها لا تتوقع أن يحدث ذلك حتى عام 2018 على أقل تقدير حيث إن النمو في الاستهلاك يتعثر والإنتاج يثبت مرونة عالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي