الحوكمة بين القطاعين الخاص والعام
عشر سنوات تمر قريبا على "ثورة" حوكمة الشركات في المملكة، التي صدرت لتنقذ السوق المالية من تعثر الشركات وانهيار السوق في فبراير 2006. كانت مفردة "حوكمة الشركات" في ذلك الوقت من أكثر العبارات ترديدا في الإعلام، وقد شكلت حلما يطمئن الكثير من المساهمين كونها ستسهم في تحقيق العدالة والشفافية في سوق طامح وناشئ. الجهاز الرسمي أيضا سعى وبشكل كبير لتفعيل هذه التشريعات ضمانا لتحقيق مكاسب للسوق وإنعاشها لتكون سوقا جاذبة للاستثمار وسوقا نشطة في مجال دعم المشاريع الخاصة لتحقيق التنمية المستدامة المأمولة.
في الذكرى الرابعة لصدور لائحة حوكمة الشركات في المملكة كتبت في "الاقتصادية" لعدد "6239، عام 2010" "ففي كثير من الأحيان وجود النظام المحكم لا يضمن العدالة، فاستغلال الصلاحيات والتلاعب باللوائح والأنظمة يعدان من أخطر الخروقات للأنظمة والقوانين حتى في الدول المتقدمة." ومع مرور عشر سنوات من الواضح أننا وضعنا عربة "حوكمة الشركات" على بداية الطريق في نوفمبر 2006، وتركناها دون أن تعمل إلى الآن.
في الأيام الماضية أبهرتنا صحيفة «أرقام» الإلكترونية بمتابعاتها الدقيقة والغنية حول موضوع إحدى الشركات المساهمة التي دخلت السوق فجأة، وانهارت فجأة، وقد تخرج من السوق فجأة. لكن الألم الذي أصاب مساهمي هذه الشركة أولا "لأنهم الحلقة الأضعف"، وملاكها ثانيا "لأن قضية الشركة يتضح أن فيها كثيرا من الأمور المغيبة"، قد بدأت في الانكشاف كما في عدد «أرقام» ليوم 06 سبتمبر 2016،http://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/443538.
يستمر المساهمون في المطالبة بحقوقهم من خلال ما دعا إليه المتحدث باسم عدد من المساهمين في الشركة بقوله "كل من تسبب في هذه الكارثة، سواء من وقع على نشرة الإصدار من كبار التنفيذيين بالشركة وأعضاء مجلس الإدارة والمحاسب القانوني للاكتتاب وللقوائم المالية التي واكبت الاكتتاب وما بعد الاكتتاب والمستشار المالي ومتعهد التغطية، مشيرا إلى أنه كذلك يحمِّل الجهات الرقابية (هيئة السوق المالية ووزارة التجارة) جزءا من المسؤولية لأنه تمت سرقة المساهمين تحت مظلة النظام بحسبه" (انتهى النقل).
من الواضح أن الشركة وقعت في أخطاء جوهرية حين الطرح، ورغم أن وثائق الشركة المعتمدة من مستشاري الطرح بجميع تخصصاتهم المالية والقانونية والمحاسبية قد أسهمت في اعتماد طرح الشركة وإدراجها ضمن الشركات المتداولة في السوق المالية. وبعد الطرح وقعت الشركة في بعض المشكلات التي قد تكون واكبت بعض الظروف والأزمات الاقتصادية المحيطة. وهذا يعني وجود ضعف في إجراءات وآليات الحوكمة المستخدمة داخل الشركة وداخل السوق بأكملها.
أيضا فتعامل هيئة السوق المالية ووزارة التجارة مع هذه القضية قبل وأثناء ظهور الأزمة يوضح أن هناك ضعفا كبيرا في آليات الحوكمة الخاصة بالقطاع العام لدينا. إضافة إلى ضعف الإطار العام للتقاضي وبطء إجراءاته في مثل هذه القضايا. وهذا يتعارض كثيرا مع الآمال والطموح التي توليها الأجهزة الرسمية لمستقبل المملكة والتي بنيت عليها "رؤية المملكة العربية السعودية 2030" كونها إحدى الأسواق الرئيسة بالمنطقة، والمستقبل المشرق المراد الوصول إليه وتحقيقه لضمان انتعاش السوق المحلية، وفتح السوق أمام المستثمرين الدوليين.
لذا يجب القول إن حوكمة الشركات وحوكمة القطاع العام من أهم الأدوات التي يجب أن يهتم بها الجهاز الرسمي، لضمان تحقيق المكاسب البعيدة لاقتصاد المملكة، ولضمان نجاح خطة التحول الوطني في جميع مراحله.