رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السوق المالية .. وفقدان الثقة بمعلومات الشركات

عانت السوق المالية السعودية ضعف السيولة، وهذا مؤشر على عزوف المستثمرين عن المخاطرة. القيمة السوقية للشركات مجتمعة بلغت قريبا من 1.4 تريليون ريال سعودي، وعدد الأسهم المصدرة بلغ 51.8 مليار سهم تقريبا، ورغم هذا الحجم فإن السيولة المتداولة تراجعت إلى مليارين تقريبا، وهذا في الحقيقة لا يتناسب مع حجم السوق، فهذه السيولة لن تتعامل في أكثر من 0.14 في المائة من قيمة السوق، وهي نسبة متدنية جدا. فحقيقة وجود عزوف النقد عن السوق لا يمكن إنكارها، ومع ذلك من الصعب فهم الأسباب التي أدت إلى ذلك، فالسوق لا تزال مربحة من عدة جوانب، فهي الآن مناسبة جدا للاستثمار، حيث عديد من الشركات تتداول أدنى أو قريبا من قيمتها الدفترية، وإذا كانت هذه الشركات ذات مستقبل واعد فإن الاستثمار فيها لاشك مثمر وجذاب. هناك شركات أخرى تراجعت مكررات الربحية فيها عن 9 مكررات ربحية وهذا معناه أن هذه الشركات تربح وتوزع أرباحا وقادرة على إعادة رأسمال المساهم في أقل من تسع سنوات، فهل هناك استثمار مناسب أفضل من هذا؟ ورغم كل هذه المغريات في السوق فإن الحقيقة الواضحة هي العزوف عن الدخول والمخاطرة، فلماذا؟
عادة ما يكون المستثمر قلقا بشأن المخاطر الاستثمارية، ذلك أنها هي التي تحدد مستويات العوائد، ولكن يحتاج المستثمر دوما إلى المعلومات الكافية لتحديد مستويات المخاطر الاستثمارية. المخاطر بشكل عام على نوعين كما يعرف الجميع، مخاطر محسوبة، ومخاطر غير محسوبة. المخاطر المحسوبة هي المخاطر التي يمكن قياسها بدقة ومعرفة احتمالية حدوثها ويمكن بذلك إدارتها، هذه المخاطر تعتمد على دقة المعلومات المالية المتوافرة، فكلما كانت المعلومات كافية ودقيقة ويمكن الوثوق بها، تحسنت قدرتنا على تحديد وقياس المخاطر، وبذلك تمكنا من الاستثمار وقبول المخاطر أو رفضها، والعكس صحيح. هناك مخاطر تتعلق بالاستثمار في سوق الأوراق المالية وهي على نوعين: مخاطر غير منتظمة وهي التي يمكن مجابهتها بتنويع المحافظ الاستثمارية، ومخاطر منتظمة، وهي التي تتعلق بحالة الاقتصاد والفائدة وغيرها من قضايا الاقتصاد الكلي لا يمكن مجابهتها من خلال تنويع الاستثمارات في المحافظ بل من خلال طرق أخرى بديلة. ومهما كانت المخاطر التي يواجهها المستثمر في السوق فإن تحديد هذه المخاطر وقياسها يعتمد على توافر المعلومات ذات الجودة العالية، وتتصف المعلومات بالجودة إذا توافرت في الوقت المناسب بالصورة المناسبة وكانت موضوعية، وذات أهمية نسبية لمتخذ القرار.
ما تعانيه السوق المالية السعودية منذ فترة طويلة هو فقدان الثقة بالمعلومات التي تقدمها الشركات، وهذا جاء كنتيجة طبيعية لما حدث لعدد من الشركات التي تم إدراجها في السوق ثم تبين عدم مصداقية علاوة الإصدار التي تحملها المستمرين على الرغم من أن هيئة السوق المالية طبقت نظام سجل الأوامر، لكن تبين عدم فاعلية هذا الأسلوب في تجنيب السوق مخاطر المغالاة في الطرح الأولي، ثم جاءت المشكلات المتعددة في القوائم المالية التي أصابت عدة شركات مثل «المعجل» و«بيشة» و«اتحاد اتصالات» و«المتكاملة». كل هذه المشكلات الرئيسة في جودة المعلومات المالية وخاصة تلك التي يتم الإفصاح عنها في القوائم المالية للشركات، ومع ذلك فإن الجهود التي بذلت لإعادة الثقة بالمعلومات المالية لم تكن على مستوى الحدث فعلا، فلم تصدر أي تنظيمات جديدة أو إصلاحات هيكلية. وإذا أضفنا إلى هذه المشكلة المعلوماتية في السوق ما صاحب ذلك من غموض على مستوى الاقتصاد العالمي، ومستويات النمو الضعيفة، والمشكلات العميقة الناتجة من انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وضعف التقديرات عن تأثير هذا الانفصال في الاقتصاد العالمي، كل هذه القضايا مجتمعة جعلت الوضع المعلوماتي في السوق المالية في أصعب حالاته، وبالتالي فقد ضعفت قدرة المستثمرين على معرفة المخاطر وتوجهات السوق بالنسبة للمخاطر، مع فشل الكثير في قياس المخاطر وتأثيرها. هذا في مجملة انعكس في رغبة الكثير في الاحتفاظ بالنقد وعدم المجازفة بالاستثمار حاليا، ولهذا فإن معدلات التداول منخفضة، وكلما استمرت هذه الحالة من فقدان الثقة بالمعلومات وعدم إفصاح الشركات عن تنبؤات صحيحة موثوقة لمستقبل تدفقاتها النقدية، فإن المستويات النقدية قد تستمر في التراجع، أو ستبقى عند مستويات غير فعالة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي