كيف تفكر وتتصرف كقائد؟
كي تكون قائدا ناجحا، عليك تفادي العمل بحسب المنطق التقليدي "فكر قبل أن تفعل"، وبدلا من ذلك تصرف كقائد كي تستطيع التفكير كقائد.
يقول جيكوب البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاما، ويعمل مدير إنتاج في إحدى الشركات الأوروبية المتوسطة الحجم لتصنيع المواد الغذائية، عن نفسه، "أنا أشبه بـمكافح النيران". أسرع من مكان إلى آخر لإصلاح الأمور من أجل الحفاظ على سير خط الإنتاج. ولكن بعد الاستحواذ على الشركة من قبل مستثمر خاص، تغيرت مسؤوليات جيكوب وطلب منه إدارة مصنعين على الرغم من أن مسماه الوظيفي لم يتغير. ومع ظروف عمله الحالية، واضطراره للعمل عن بعد مع مديره، وتحمله مسؤولية تحديث المصنعين، لم يقدر جيكوب على تحمل تحديات القيادة.
وجد جيكوب نفسه كمدير متطلب، وشعر الأشخاص العاملون تحت إشرافه بالإرهاق من تدخله بأدق التفاصيل ومن مزاجه السيئ. وكان يعلم أنه ينبغي عليه التركيز على القضايا الاستراتيجية، كالبحث عن أفضل السبل لتوسيع الأعمال، وبحث سبل زيادة التعاون، وتوقع حالة السوق السريعة التغيير. ولكنه مع ذلك لم يقم بأي من ذلك. ووجد الحل بتخصيص ساعتين من الوقت يوميا للتفكير في سبل أفضل للعمل. لكن ذلك لم يجد نفعا مع ضغط العمل واستمرار مواجهته للمشكلات. هناك عديد من التنفيذيين أمثال جيكوب يعتقدون أنه بإمكانهم الوصول إلى أفكار استراتيجية أفضل بمجرد تخصيصهم لمزيد من الوقت للتفكير.
كما شرحت في كتابي "تصرف كقائد، وفكر كقائد"، لم يكن جيكوب بحاجة إلى تخصيص وقت للتفكير، بل إلى "الرؤية" ــ وهي منظور خارجي جديد بإمكاننا تحقيقه عندما نفعل أشياء جديدة ومختلفة ــ وعند إقحام أنفسنا في أنشطة جديدة، وعن طريق التفاعل مع شخصيات مختلفة، وتجربة طرق جديدة لإنجاز الأمور ومن ثم مراقبة نتائج أفعالنا.
حدد جيكوب مهامه انطلاقا من نقاط قوته ومهاراته الأساسية كما يفعل معظمنا، ولكن عليه الانتقال من مرحلة العمل في مجال تخصصه فقط، إلى مرحلة توجيه أطراف مختلفة ليست تحت إشرافه بشكل مباشر تشترك معه بالهدف نفسه، تلك هي مهمة القيادة.
كان من الممكن لجيكوب أن يلعب دورا فعالا، كأن يكون همزة الوصل بين قسم الإنتاج وباقي أقسام المؤسسة. فتعامله مباشرة مع مجموعة مختلفة من أصحاب المصلحة الحاليين والمحتملين يأتي في صميم عمله، وليس مهام إضافية تخفض من مستوى أدائه. لذا يدرك القياديون أصحاب الخبرة أهمية شبكة العلاقات التي يكونونها مع مديري الأقسام الأخرى، التي تساعدهم بدورها على معرفة كيف بإمكانهم أن يسهموا في تحقيق أهداف الشركة وكيفية تسويق أفكارهم، والتعرف على الاتجاهات الأخرى السائدة، وكذلك المنافسة على الموارد.
ينطوي الانخراط بدور قيادي أكبر في أغلب الأوقات على الانتقال من مرحلة امتلاك الأفكار إلى مرحلة تسويقها لمختلف أصحاب المصلحة. ولكن جيكوب وجد هذه العملية زائفة وغير مرغوبة على غرار عديد من القياديين عديمي الخبرة، وشعر بأنها متكلفة ظنا منه أن ما يقوم به كفيل بإبراز مهاراته في العمل. فبقدر ما تتطلب هذه النقلة في مسيرتنا المهنية الخروج من منطقة الأمان التي اعتدناها، لكنها في المقابل لها دور إيجابي في الحفاظ على هويتنا السابقة. فمن طبيعتنا أن نقوم باسترجاع سلوكنا القديم خاصة الذي تمت مكافأتنا عليه فيما مضى.
إجراء تغييرات كبيرة ليس فقط بما نقوم به ولكن بكيفية القيام به يتطلب عقلية مرنة. لذا أوصي بالتعامل مع تطوير مهارات القيادة بمرونة. فعندما نتبنى سلوكا مرنا سنكون أكثر انفتاحا على التنوع وسنرى في هذه الاختلافات فرصا عدة. أن نكون متقلبين من يوم لآخر لا يعني بالضرورة أننا مزيفين ولكنه الطريقة الصحيحة لمواجهة التحديات الجديدة التي نواجهها. فالبراعة تكمن في العمل من أجل مستقبل يبرز شخصيتنا الحقيقية من خلال إيجاد سبل تتجاوز حدود ما نحن عليه اليوم.
* أستاذ السلوك التنظيمي - كلية إنسياد