بناء لوبي داعم
تسعى كل دولة في العالم إلى أن يكون صوتها مسموعا ومؤثرا في الكيانات الكبرى. تتحقق هذه الإرادة من خلال صداقات عميقة مصحوبة بالقناعة بالمبادئ والحقائق التي يتم الدفاع عنها.
كانت المملكة تتمتع دوما بهذه الكفاءة، وساعدت الدبلوماسية الفذة التي قاد دفتها لعقود طويلة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السابق ـــ يرحمه الله ـــ، ساعدت هذه الدبلوماسية في إيصال رؤى حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى مختلف أرجاء العالم. لا يمكن في هذا الإطار نسيان الأدوار المهمة التي قام بها الأمير بندر بن سلطان في فترة حرجة من تاريخ المنطقة.
اتسمت الدبلوماسية السعودية التي أكمل مسيرتها وزير الخارجية الحالي عادل الجبير، بالهدوء والوضوح والفاعلية.
وأفضت هذه السياسات لبناء علاقات متميزة مع أمريكا وأوروبا وبقية دول العالم، وتحققت منجزات على صعيد القضايا العربية والإسلامية، إذ نأت بالمملكة عن الوقوع في أفخاخ كان من الممكن ـــ لا سمح الله ـــ أن تؤدي لنتائج سلبية.
أسبغت دبلوماسية الوضوح والاعتدال والمنطق، على الصورة الذهنية للمملكة كثيرا من الاحترام والإجلال، الذي نراه يتجسد من خلال التكريم الذي يحظى به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـــ يحفظه الله ـــ، كما أنه يتجلى في التقدير الذي يتلقاه سفراء خادم الحرمين الشريفين.
منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي والعالم يشهد سلسلة عواصف بدأت بالثورة الإيرانية التي مثلت تهديدا لدول الخليج العربي، بسبب رغبة نظام إيران الجديد في تصدير قلاقل إلى دول الجوار، وكانت تلك بداية الإرهاب الطائفي.
وجاءت الحرب العراقية - الإيرانية، التي استمرت أعوما، ثم احتلال العراق للكويت وما صاحبه من مآسي، ثم أحداث ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١، التي مثلت استقطابا من المحسوبين على تيارات العنف والإسلام السياسي ضد الإسلام والمسلمين. ثم جاءت أحداث الربيع العربي التي لا تزال تعصف بالعالم العربي.
في كل هذه المشكلات كانت تدخلات إيران حاضرة بوضوح، حتى فيما يخص القاعدة التي وجد بعض إرهابييها المشردين مأوى في طهران.
هذه المحطات المعاصرة استهلكت جهدا كبيرا في تاريخ الدبلوماسية السعودية، وقد ساعدت علاقات المملكة بالعالم في النأي بالمنطقة عن مزيد من الشرور. الذين يتحدثون اليوم عن بناء لوبي سعودي هنا أو هناك، يجهلون أو يتجاهلون القوة التي تتمتع بها الدبلوماسية السعودية. هذا ليس وقت متاجرة وارتزاق ومزايدات. ربما نحتاج لتقوية اللوبيات الموجودة، لكن لا يمكن أن يأتي شخص ليتحدث عن بناء لوبي ويطلب مالا من أجل تحقيق ذلك. باختصار: مجنون يتحدث.. وعاقل يسمع ويتبسم.