سياسة العمل والمادة 77
للإنصاف سياسة العمل في المملكة قد تكون الأصعب مقارنة بأعمال الوزارات ذوات الشأن الاقتصادي. موضوعيا سياسة العمل تقع في صلب الإدارة العامة للوطن (ليس الاقتصاد وحده)، ولكن رجل الأعمال يطالب بمصادرتها والمواطن يطالب بحماية أحيانا موضوعية وأحيانا غير موضوعية، والتعليم لا يعترف بدوره الحقيقي، والسياسة الاقتصادية العامة تقول إنها بين نار الحاجة للاستمرار في حالة الإشباع لدولة نامية حصلت على دخل غير عادي من ناحية والحاجة إلى نمو حقيقي نابع من قدرات ذاتية للمكون البشري الوطني من ناحية أخرى. هذه التجاذبات تأخذ أشكالا مختلفة ضمنية وظاهرية. في ظل هذه التقاطعات والمساحات والفضاءات جاء تغيير نظام العمل خاصة المادة 77 التي تسمح لرب العمل بالتخلص من "العامل" بسهولة مقابل النظام السابق. انتقلنا من نظام قديم ليس فيه طبقة عمالية كادحة كبيرة، إلى نظام يأخذ بسياسة سوق شبه مطلقة. السؤال العميق يدور حول موضوعية التغير وإيجاد مكانه في الحراك الاقتصادي ومحاولة التحول.
انطلق من أن سياسة السوق والمنافسة وتعميق التوطين هي الهدف والوسيلة (مدى الصعوبة العملية أن البشر هم الوسيلة والغاية) لإيجاد القيمة المضافة ماديا ومعرفيا. لذلك أجد أن خطوة تحرير سوق العمل في الاتجاه الصحيح ولكنها ناقصة إلى حد الخطر على عملية التكوين الاقتصادي. النقص يربك المنظومة ويفتح مداخل يستغلها الكثير لتشويه سلاسة السوق وحماية الحقوق. بل إن المنافسة دون وضعها في الإطار الصحيح قد تكون مصدرا للمخاطر وحتى الضرر. الأحرى أن تكون سوق العمل تنافسية بين المواطنين لرفع إنتاجيتهم، بل لابد من القبول بصيغة تنافسية واضحة في السنوات الـ 15 القادمة. المنافسة الحقيقية ستكون بين الاقتصاد الوطني والدول الأخرى وليس بين المواطن والوافد على الأقل في السنوات العشر أو الـ 20 المقبلة لحين إرجاع المواطن إلى دور حقيقي في جميع الأعمال الفنية والمعرفية. أما أن نعطي رب العمل الحق في التخلص من المواطن، ولكن دون حمايته من الوافد، فهذه منافسة قد تخدم أرباب العمل سطحيا ولكنها لا تخدم الوطن. تخدم رجل الأعمال وتضر بالاقتصاد.
التحول الوطني يتطلب عدة عناصر في قلبها محاولة تغيير التصرفات الفردية والجمعية بما يصب في مصلحة التكوين الاقتصادي. تقوم وزارة العمل بجهود كبيرة ولكنها في الجانب التحليلي أكثر منها في التأثير في معادلة العرض أو الطلب. بل إن المحاولات تحليلية وتفصيلية، وقد تطورت تحت الفريق الجديد ولكن تأثيرها محدود. التحديات الاقتصادية تدور حول نسبة العمالة الوافدة غير المنزلية وإنتاجية المواطن. يقاس التقدم ليس بالتفاصيل التحليلية ولكن بدرجة تحركه نحو التعامل مع هذه التحديات.
المنافسة لبنة أساسية في التقدم ولكن لا نريد المادة 77 أن تكون مثل من لا يريد إكمال الآية الكريمة: «ولا تقربوا الصلاة...» علمتنا القوى الاقتصادية أنها ستستغلها إذا لم نضعها في الإطار المناسب. سيجد رب العمل فرصة لعدم الانضباط في الإطار الاقتصادي الجامع لخدمة الوطن. يصعب أن يحدث تقدم دون منافسة بين المواطنين لغرض تحفيز الإنتاجية والمواءمة مع التعليم وتنظيم علاقته مع السياسة الاقتصادية عامة والعمالية خاصة. إعطاء امتياز آخر لرب العمل دون حماية للمواطن من الوافد تجاوز اقتصادي اجتماعي. يعود السبب إلى رأي اقتصادي ينطلق من منظومة "إجماع واشنطن" بالمناداة لنظام السوق دون تأطير مناسب لظروف مختلفة لم تميز بين التنموي والاقتصادي أو بين المرحلي والهيكلي، وكذلك إلى نفاذ التجار إلى منظومة الوزارة في الماضي القريب. الخطوة العملية المرادفة للمادة 77 عبارة عن تقليص أعداد الوافدين.