تأثير السلطة في التواصل
اختيار أصحاب السلطة والقوة لإقناع الآخرين ليس بالضرورة أن يكون الخيار الأمثل. فالمتلقون الأقل قوة يبحثون عن المصداقية والتواصل.
في أكتوبر 1997، قام صحافي سويدي من مجلة السيارات "تيكنيكانس فيرالد" باختبار سيارة مرسيدس A-Class في المضمار. خلال اختبار المنعطفات المعروف بـ moose test الذي يظهر قدرة السيارة على المناورة من خلال القيادة بشكل متعرج لاختبار قدرتها على التعامل في حالة وجود عائق مفاجئ، انقلبت السيارة وتحطمت. تسببت القضية في ضجة كبيرة في وسائل الإعلام لمطالبة «مرسيدس» بتقديم تفسير عن الحادث. الشركة الرائدة في قطاع السيارات الفخمة التي حققت مبيعات بلغ حجمها 715 ألف سيارة في 1997، متقدمة على منافستيها بي إم دبليو675 ألف وأودي560 ألف سيارة.
أعلنت الشركة في بيان لها "نحن نرى أن ظروف القيادة المبالغ فيها التي تم وضعها خلال الاختبار في السويد، تسببت في الحادث". ولكن تصريحها هذا لم يلاق قبولا نظرا لإصابة السائق، وخشية المستهلكين على سلامتهم. دفعت استراتيجية «مرسيدس» الهجومية صحافيين آخرين لإجراء اختبار القيادة، وكانت النتيجة انقلاب السيارة مرة أخرى في اختبارين آخرين. قدمت «مرسيدس» مزيدا من الأعذار، ووصل بها الأمر لإلقاء اللوم على الإطارات التي تصنعها «جوديير». بدأت الشركة في نهاية المطاف بالقيام بإجراءات تصحيحية، قائلة إنها ستقوم بتغيير الإطارات وإدخال نظام منع الانزلاق ضمن المعايير الأساسية لسياراتها. إلا أن ذلك لم يتوافق مع تصريحاتها بالنفي بوجود خطأ من جانبها في البداية ما أثار مزيدا من التحفز من قبل الصحافة.
تعامل شركة مرسيدس أصبح مثالا كلاسيكيا عن التواصل غير المتوازن الذي يركز على الكفاءة على حساب المصداقية، رغم حالة الهلع التي شعر بها المستهلكون والحاجة إلى طمأنتهم. هل نبع هذا الخلل من الموقع القوي لـ«مرسيدس» في السوق؟ وبشكل أعم، إلى أي مدى ينعكس الشعور بالقوة على أسلوب التواصل وكيفية استقباله من قبل الآخرين؟ تسلط الضوء مقالتي القادمة، ديناميكيات التواصل وقوة الحضور: الإقناع بالكفاءة مقابل المصداقية، التي شاركني في كتابتها كل من ديريك روكر من جامعة نورث وسترن وآدم جالينسكي من جامعة كولومبيا، على هذه الأسئلة من خلال شرح تأثير السلطة في أسلوب الإقناع.
اختيار أسلوب التواصل بحسب المتلقي
يعزز الشعور بالسلطة القدرة على الإقناع في الظاهر: فرؤساء تنفيذيون كبار مثل ستيف جوبز وريتشارد برانسون، أو سياسيون معروفون ابتداء من لينكولن إلى ونستون تشرشل، نذكرهم كمتحدثين أقوياء بغض النظر عما إذا كانوا يبيعون منتجات أو يديرون دولا. ومع ذلك، يمكن أن يكون أشخاص عاديون أكثر إقناعا من أولئك الذين يمتلكون السلطة. على سبيل المثال، عند ترويج رسائل الرعاية الصحية، يمتلك الأطفال الضعفاء القدرة على الإقناع بشكل أكبر من البالغين، وينجح الأشخاص ذوو الدخل المنخفض أكثر من الأشخاص الذين يتقلدون مراتب عالية.
من يمتلك قدرة أكبر على الإقناع، الأشخاص أصحاب السلطة أم الضعفاء؟ كلاهما ممكن أن يكون مقنعا، ولكن يحدد ذلك الأشخاص الذين نريد إقناعهم. أولا، امتلاك السلطة يزيد من تركيز المتحدث على الكفاءة عند رغبته في إيصال رسالة مقنعة، ولكن الافتقار إلى السلطة من شأنه أن يزيد من التركيز على الشفافية. كما يلعب المتلقون دورا في ذلك. فعندما يشعر المتلقي بالقوة يكون أكثر اهتماما بالكفاءة، في حين يولون اهتماما أكبر لمدى إقناع الرسالة عندما يفتقرون إلى السلطة.
اختبرنا سلسلة من التجارب تم تكليف المشاركين فيها بشكل عشوائي للقيام بأدوار المتحدث أو المتلقي، حيث يجب على المتحدث إيصال رسالة مكتوبة أو شفهية. وطلب منهم إقناع الحضور بأشياء عدة، من تجربة مرافق صالة رياضية جديدة، إلى الترويج لإحدى الجامعات أو مطعم جديد.
طلبنا من المتحدثين استرجاع مواقف شعروا فيها بامتلاكهم السلطة أو أخرى جعلتهم في موقع ضعيف، أو تم توجيههم ليعيشوا التجربة سواء مدير أو موظف. لم يكن المتلقون على علم بمدى قوة المتحدث والعكس صحيح، حتى نتمكن من معرفة مدى تأثير السلطة في الرسالة المراد إيصالها وكيف يتم إرسالها واستقبالها. أثبتت التجارب أن المتحدثين الذين يشعرون بالقوة كانوا أكثر إقناعا بالنسبة للمتلقين الذين يشعرون بالقوة، بينما كان المتحدثون الأقل قوة أكثر إقناعا بالنسبة للمتلقين الأقل قوة.
المصداقية مقابل الكفاءة
ما الذي يفسر هذا التأثير؟ تثير السلطة نوعا من "التناغم النفسي" من خلال صياغة التوجه النفسي للمتحدثين والمتلقين على حد سواء. حيث يميل أولئك الذين لديهم شعور عال بالقوة إلى التركيز على المهارات والكفاءة، التي تنجح في إقناع المتلقين الذين يشعرون بالقوة. من ناحية أخرى، عدم الإحساس بالقوة يوجه المتحدثين للتواصل مع الآخرين، الأمر الذي يتناسب مع المتلقين الذين لا يشعرون بالقوة والذين يقدرون أهمية الرسائل التي تتصف بالمصداقية وتعزز التواصل.
خلال تجربة واحدة، تم توجيه 160 مشاركا للقيام بأدوار سواء مدير أو موظف لكتابة رسالة إعلانية لمطعم، بعد تزويدهم بلائحة من الحجج للاختيار منها. اختار الأشخاص الذي يتمتعون بالقوة عددا أكبر من الحجج التي تركز على الكفاءة مثل "يتمتع الطاهي بسمعة طيبة بسبب خبرته وكفاءته". في حين اختار الأشخاص الأقل شعورا بالقوة عددا أكبر من الحجج التي تركز على المصداقية، مثل "السمعة الطيبة للطاهي جعلت المطعم مرغوبا". في النهاية، فضل المتلقون الذين يشعرون بالقوة الرسائل التي تركز على الكفاءة، أما الآخرون الذين لا يملكون القوة فذهبوا مع الرسائل التي تركز على المصداقية والدفء.
توضح هذه النتائج نوع الرسائل التي قد تساعد التنفيذيين أو تعوق مهمتهم في إقناع الآخرين. ففي السياقات المختلفة مثل مفاوضات المبيعات أو الإعلانات أو الكلمات التي يتفوهون بها، يجب أن تكون مصممة خصيصا لإقناع المتلقين على اختلافاتهم. على سبيل المثال، يجب على مدير وكالة جمع التبرعات عند مخاطبته الأشخاص الأثرياء وأصحاب السلطة، أن يشدد على كفاءة وأداء المؤسسة في سبيل حصوله على التبرعات. من ناحية أخرى، اختيار أشخاص ذوي نفوذ مثل رؤساء الدول، أو التنفيذيين لإقناع متلقين لا يتسمون بالقوة، لا يعتبر خيارا جيدا مقارنة بالمتحدثين الذين لا يتمتعون بسلطة هكذا. وعلى أقل تقدير، ينبغي أن يعطي هؤلاء للمصداقية أهمية أكبر في الرسائل التي يرغبون في إيصالها.
أما بالنسبة لـ«مرسيدس»، فقد أدركت الشركة لاحقا أن أسلوب تواصلها في معالجة المشكلة التي واجهت سيارة A-class أدى إلى نفور العملاء ليس أكثر. ولكن حدث تحول جذري في لهجة خطابها في نهاية المطاف، حيث ركزت على كل من الكفاءة والمصداقية. بعد الاختبار وإجراء التعديلات اللازمة لاجتياز اختبار المنعطفات، فاجأت الشركة الزبائن ووسائل الإعلام من خلال السخرية أيضا من نموذج A-class. ونشرت إعلانات تحت عنوانA-Class "والأيائل"، حتى أنها قدمت لعملائها ألعابا على شكل "أيائل" محشوة. مشيرة إلى مصداقيتها في التعامل، والأهم من ذلك كفاءتها. وقامت أخيرا بحملة دعائية غير متوقعة لمدة يوم واحد في 180من أكبر الصحف الألمانية والمحطات التلفزيونية، أقرت فيها الشركة بخطئها. كان اعتراف «مرسيدس» بالخطأ جل ما يحتاج إليه عملاؤها.