مسارات للشركات الناشئة
يعد الدخول إلى الأسواق مهما لنمو الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فالشركات الناشئة التي تسعى إلى توسيع عملياتها في حاجة إلى التفكير في استراتيجيات النمو من أول يوم تولد فيه، ليس فقط على المستوى الوطني، بل أيضا على المستوى الإقليمي. ومع هذا، فإن المناورة للتوسع في دول جديدة هي عملية معقدة تتوقف على إيجاد الطرق المناسبة والأشخاص المؤهلين والشركاء من أجل التوسع واستهداف أسواق جديدة.
ويعتبر توسع الشركات الناشئة في بلدان جديدة، والوصول إلى المزيد من الزبائن، وزيادة عدد موظفيها عبر الحدود هي جميعا مؤشرات على قدرتها على دخول أسواق جديدة. ولكن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تمثل فيها الإجراءات الحدودية عائقا كبيرا، يعتبر التنقل بين بلدان هذه المنطقة أمرا معقدا وصعبا للغاية. ومن شأن فهم المسارات والناس والشركاء الذين يؤثرون في عملية الدخول إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن يفند هذه التحديات، ويرفع مستوى الوعي بالمتطلبات اللازمة للتغلب عليها.
فالمسارات توضح الدروب المعينة التي يحتاج رجال الأعمال إلى طرقها عند دخول بلدان أخرى. ووفقا لدراسة أجريت عام 2015 ونشرها مختبر بحوث ومضة WRL بالاشتراك مع مركز إنديفر إنسايت، ومؤسسة التمويل الدولية وضاحية بيروت الرقمية، خطط نحو 72 في المائة من الشركات المنتمية إلى أربعة بلدان (الأردن، مصر، الإمارات، لبنان) لفتح مكاتب في بلدان جديدة في المستقبل القريب.
بيد أن الانتقال من بلد إلى آخر يعتبر أمرا مضنيا: وهناك تقريبا واحد من بين كل خمسة رجال أعمال شملهم المسح في الدراسة أشاروا إلى عملية الانتقال إلى بلدان أخرى باعتبارها أصعب التحديات التي تقف أمام التوسع. إن رحلة العثور على الشركاء والتعامل مع التكاليف والإجراءات القانونية اللازمة لدخول بلد جديد قد تتباين بشكل كبير بين بلدان المنطقة. وفي المقابل فإن تحديد مسارات الشركات الناشئة لتوسيع نطاق نشاطها في المنطقة يمكن أن يساعد الفاعلين في منظومة العمل الحر بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تركيز جهودهم نحو تحسين عملية التوسع.
كما أن الشركاء مهمون للغاية في تسهيل عملية الدخول إلى الأسواق. وبوسع الشركات الناشئة أن تجني منافع كبيرة من التعاون مع الشركات الأكبر التي يمكن أن تساعد عبر رؤوس أموالها وخبرتها بالسوق وقواعدها الكبيرة من المستهلكين في التغلب على التحديات الخاصة بالموارد عند الدخول إلى بلدان جديدة. في الحقيقة، يمكن أن يمثل عنصر توفير المعرفة عن كيفية دخول بلدان جديدة أكبر مساهمة يمكن أن تقدم إلى شركة صغيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي المقابل، فإن الحكومات يمكن أن تدعم هذه الشركات بشتى السبل، ومن ذلك تقديم عقود للشركات الناشئة لتتيح لها فرصة حقيقية في هذا البلد الجديد، أو عبر تقديم الدعم لتسهيل عملية التسجيل وذلك لضمان يسر الحصول على المكاتب والتراخيص. البشر هم العنصر الثالث الذي يحتاج إلى الاهتمام والدعم.
عند فتح مكاتب في بلد آخر، فإن الشركة تحتاج إلى تشكيل فرق جديدة، وجذب موظفين محليين وأجانب. في تقرير آخر حديث لمختبر ومضة للبحوث، أبدى نحو 90 في المائة من رجال الأعمال الذين استطلعت آراؤهم العزم على تعيين موظفين جدد في السنوات المقبلة، ولكنهم أشاروا أيضا إلى وجود فجوة فيما يتعلق بالمهارات وغيرها من الاتجاهات التي تحول دون عملية التوظيف.
على سبيل المثال، حدد رجال الأعمال في المسح كلا من التحفيز والاستقلالية كسمات شخصية يصعب العثور عليها في موظفيهم، كما أوضحوا أن المهارات الصعبة ـــ كتنمية المبيعات وأنشطة الأعمال ــــ كانت شحيحة.
وببساطة، إذا انعدمت المهارات المطلوبة والأفراد المناسبون، فإن فرصة نمو الشركات الجديدة تتضاءل. وما الشيء الآخر الذي لا يقل أهمية عن الانتقال إلى بلدان جديدة؟ ينبغي أن يتمكن الموظفون من مكاتب الشركات في الدول الأخرى من الحصول على تأشيرات عمل، تأشيرات دخول، حتى لمجرد القيام بزيارات قصيرة لجمع معلومات عن السوق، التي في الغالب يمكن أن تكون مكلفة وقد تحتاج إلى شهور للحصول عليها. وتمثل مشكلة ندرة المهارات، إضافة إلى القدرة المحدودة على التنقل، مسائل تحد من القدرة على دخول الأسواق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الطريق إلى الأمام:
أولا، من الأهمية بمكان النظر إلى منظومة العمل الحر كمنظومة إقليمية، بدلا من تمزيقها إلى شرائح على المستوى القطري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كذلك، فإن إدراك كيفية التفاعل بين الأطراف الفاعلة التي تيسر هذه العملية ــــ من حكومات وشركات وجامعات ومؤسسات أخرى، بل ورجال الأعمال أنفسهم ــــ أمر أساس. وسيساعد القيام بذلك على بناء روابط إقليمية أقوى للتمكين من النفاذ إلى الأسواق.
وعبر بناء الشراكات بين الشركات الناشئة والشركات الكبرى ستتمكن الحكومات من المساعدة في تيسير الوصول إلى الأسواق. ومن الضروري تبادل المعرفة بشأن الدخول إلى الأسواق وسلوكيات المستهلك، وشركاء التوزيع؛ و يمكن أن تساعد المؤسسات الكبرى في القطاعين العام والخاص في توفير هذه الموارد للشركات الناشئة. وثمة أشكال أخرى من الدعم ـــ كتيسير عملية التسجيل أو مساعدة الشركات الناشئة على استخدام قنوات جديدة للمبيعات، أو الحصول على مكاتب أو حتى استثمارات ــــ ما يجعل من الشركاء شيئا أساسا لدخول أسواق جديدة.
وأخيرا، ينبغي تطوير آلية لتحسين سبل الوصول إلى المواهب والكفاءات واعتبارها أولوية رئيسة لمنظومة العمل الحر في المنطقة. إن تنمية المهارات، وتطوير عمليات التوظيف، وتسهيل انتقال الموظفين بين المكاتب يعتبر عنصرا مهما لضمان دخول الأسواق بقوة أكبر، ومن ثم توسيع نطاق المشاريع.
تمثل الأسواق مكونا مهما في معادلة توسيع نطاق النشاط. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تقسم الحدود المنطقة إلى أسواق منفصلة، تظل هناك تحديات عديدة أمام ممارسة النشاط، فإن التعاون بين مختلف البلدان أمر حتمي، ليس لضمان انطلاق الشركات الناشئة فحسب، بل أيضا لاستمرار نموها.