هل ستعيد المصارف الغربية النظر في سعر الفائدة؟

أغلبية المصارف الغربية تتبنى أسعار الفائدة السلبية. سعر الفائدة له دور كبير في عجلة الاقتصاد.
والفائدة السلبية تعني بالنسبة للمدخرين أنهم لن يتقاضوا أية فائدة عن ودائعهم في المصارف، أي نحن نقرض المصارف مجانا "دون أية فائدة" وهم يعيدون إلينا فلوسنا بشكل قروض عليها في الغالب أسعار فائدة عالية.
بيد أن حكام المصارف المركزية وأصحاب الشأن الذين يديرون دفة المال والصرف والعملات لم يكن همهم الناس العاديين الذين لا سبيل لهم إلا منح فلوسهم كدين للمصارف دون أية فائدة لقاء الاحتفاظ بها.
وهناك إشارات واضحة إلى أن المصارف الكبيرة بدأت تخطط لفرض ضريبة "نسبة فائدة محددة تتقاضاها هي" على الودائع إن استمرت المصارف المركزية في تبنيها سياسة أسعار الفائدة السلبية.
المصارف في الغالب متخمة بالمال. ماذا تفعل بمالها الوفير عندما لا تجد من تقرضه له لقاء سعر فائدة دسمة؟
في السابق كانت المصارف تودع أموالها الفائضة عن حاجتها لدى المصارف المركزية وتتقاضى الفائدة السائدة لديها. وعلى الرغم من أن سعر الفائدة لدى المصارف المركزية أقل من أسعار الفائدة التي تفرضها المصارف على قروضها، فإن العملية كانت مجزية لضخامة الأموال التي كانت تودعها.
وما إن فرضت المصارف المركزية أسعار فائدة سلبية، حتى صار أمر الإيداع لديها من قبل المصارف التابعة لها غير ذي فائدة. سعر الفائدة السلبي معناه أن المصارف المركزية لن تدفع أية فائدة للودائع الضخمة التي كانت المصارف الأخرى تودعها لديها.
الإجراء من الناحية الاقتصادية النظرية وحتى العملية له منافعه الجمة. حرمان المصارف من الإيداع في المصارف المركزية بسبب أسعار الفائدة السلبية يجبرها على زيادة الإقراض وتحسين شروطه "تخفيض سعر الفائدة التي تتقاضاها مثلا" ولا سيما للشركات ورجال الأعمال.
الفرضية الاقتصادية التي استندت إليها المصارف المركزية تقول إن زيادة السيولة عن طريق الإقراض يؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد من حيث الاستهلاك والإنتاج وهذا بدوره سيضع حدا للركود الاقتصادي.
إلا أن النتائج أو حسابات الحقل لدى المصارف المركزية لم تتطابق مع حصاد البيدر، وبصورة عامة فشلت أسعار الفائدة السلبية في تحريك لولب الاقتصاد وإخراجه من ركوده.
وهناك أصوات تحذر اليوم من أن سياسة الفائدة السلبية لها مخاطر على الاقتصاد وأن التشبث بهذا المسار قد تكون له تبعات سلبية كبيرة.
أسعار الفائدة السلبية سائدة اليوم في تسعة عشر بلدا تستخدم اليورو كعملة إضافة إلى اليابان والدنمارك والسويد وسويسرا.
الفائدة السالبة في هذه الدول خفضت تكلفة الاقتراض إلا أنها لم تؤد إلى نسب نمو مرضية أو كما توقعتها المصارف المركزية ولا سيما المصرف المركزي الأوروبي المسؤول عن السياسات المالية لـ 19 دولة أوروبية.
بعد مراجعة مستفيضة لواقع الاقتصاد منذ تبني المصرف المركزي الأوروبي للفائدة السالبة في عام 2014 ظهر أن القطاع الخاص لم يوظف الأموال المتاحة له كما كان متوقعا.
ويرى كثير من الاقتصاديين أنه لو قام القطاع العام "الحكومات" باستثمار هذه الأموال الطائلة في مشاريع وخدمات عامة مثل الطرق والجسور وسكك الحديد والتعليم والصحة والإسكان "مشاريع البنية التحتية" لشهد الاقتصاد نشاطا ملحوظا وخرج من دوامة الركود.
وظهر أيضا أن استمرار أسعار الفائدة السلبية ومسعى بعض المصارف فرض عمولة أو رسم على ودائع الأفراد والشركات والمؤسسات لديها قد يشكل خطورة كبيرة على الاستثمار داخل هذه الدول ذاتها.
في هذه الدول نسبة كبيرة من الاستثمار تأتي من المؤسسات والصناديق، والحكومات تخشى أن تقوم هذه المؤسسات والصناديق بتوجيه استثماراتها في دول تدر عليها أرباحا، أي نسب الفائدة فيها مجزية.
ما يشدني في هذه الدول هو الحوار والمناقشات التي تجري بحرية في الإعلام ومن قبل المختصين ولا سيما الأكاديميين حول أفضل السبل لتثبيت دعائم الاقتصاد وتعزيزه.
وما يشدني أكثر أن المصارف والمؤسسات لا بل الحكومات ذاتها تمنح أذانا صاغية للمختصين والأكاديميين وتحاورهم وتسترشد بنصائحهم.
ما أحوج دولنا العربية، وعلى الخصوص الخليجية، إلى الاستئناس بآراء المختصين والأكاديميين من أبنائها وبناتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي