ولي ولي العهد .. حيوية ورؤى واضحة المعالم
عززت قمة مجموعة الـ 20 المنعقدة في الصين، المشاورات واللقاءات التي أجراها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على مدى الأشهر القليلة الماضية، ولاسيما أن اللقاءات التي تتم على أعلى المستوى في الصين، تصب كلها في الحراك العام للمملكة على الساحة الدولية اقتصاديا وسياسيا. وتجمع هذا العدد الكبير من قادة البلدان التي تسيطر على الاقتصاد العالمي بالفعل، في مكان واحد، يفتح ساحة مليئة بالنشاطات والتحركات والاتصالات والمشاورات، سواء تلك التي تتطلب استكمالا لها ومتابعة، أو تلك التي تحتم التطورات المتلاحقة على إطلاقها من جديد وفق الاستحقاقات التي عادة ما تتشكل من فرط التطورات. كل القضايا المطروحة في هذا التجمع الهائل من حيث القوة والتأثير تتصف بالمحورية سواء سياسيا أو اقتصاديا.
ومن هنا تأخذ اللقاءات المباشرة لولي ولي العهد مع هؤلاء القادة والمسؤولين بعدا استراتيجيا لعديد من الأسباب، في مقدمتها بالطبع دور المملكة على الساحة العالمية، من خلال مجموعة دولية كبرى أخذت زمام المبادرة العالمية. وكذلك الروابط التاريخية التي تجمع السعودية بعدد كبير من البلدان المعنية في قمة الـ 20، يضاف إلى ذلك الرابط الطبيعي لـ "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها، مع الحراك الاقتصادي العالمي، خصوصا مع توجهات معلنة لغالبية دول المجموعة ليكون لها دور مباشر في تنفيذ هذه الرؤية على اعتبار أنها تشكل فرصا استثمارية كبرى، وفي الوقت نفسه توفر الحكومة الضمانات اللازمة لمثل هذه الاستثمارات، من خلال سلسلة من القوانين والتشريعات المرنة والمتجددة.
أما على الجانب السياسي، فإن لقاءات الأمير محمد بن سلمان تأتي في وقت مهم أيضا، لأن كثيرا من الملفات التي تخص المنطقة والعام لا تزال مفتوحة منذ سنوات، دون التوصل إلى صيغ ناجعة لغلقها بأقل الأضرار الممكنة. كان لا بد من هذا التواصل بين صانعي القرار العالمي، ولاسيما أن السعودية لديها تصورا واضحا وعادلا ومنطقيا لبدء العمل على إيجاد حلول باتت ملحة الآن أكثر من أي وقت مضى لمعظم تلك الملفات. ومنها بالطبع الملف السوري والعراق والإيراني واللبناني، إضافة إلى تطورات الحرب التي يقوم بها التحالف العربي على عصابات الحوثيين ومرتزقة المخلوع علي عبد الله صالح. وأسهمت المحادثات المنفردة التي أجريت مع عدد من قادة الـ 20 في توضيح الصورة أكثر من جهة محورية.
وكان واضحا من خلال تصريحات المسؤولين في بلدان مجموعة الـ 20 غربا وشرقا، أنهم يبنون على هذه المشاورات المباشرة، خصوصا تلك التي تمتلك فيها المملكة رؤى واضحة المعالم، في حين أن رؤى عدد من بلدان المجموعة مصابة بالتشوش، إن لم نقل إنها مصابة بأكثر من ذلك. ولهذه الأسباب وغيرها، أخذت اللقاءات والمشاورات بعدا استراتيجيا تلقائيا، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. وتركت آثارها في اللحظة التي انطلقت فيها، من خلال الملفات التي نوقشت أو الأفكار الجديدة التي طرحت من الجانب السعودي. وقد بدا هذا واضحا أيضا من خلال تعليقات المسؤولين الذين شاركوا في هذه اللقاءات، وكلهم أجمعوا على استراتيجية اللقاءات المذكورة.
الوقت جاء مناسبا لكل اللقاءات التي قام بها ولي ولي العهد مع كبار القادة والمسؤولين في مجموعة الـ 20، بمن فيهم بالطبع المسؤولون الكبار في المؤسسات الاقتصادية العالمية، وهذا الوقت لا يقتصر على فترة انعقاد قمة مجموعة الـ 20، بل يشمل في الواقع المساحة بين الوقت الذي أطلقت فيه "رؤية المملكة 2030" وحتى موعد الانتهاء من تنفيذها. وهذه اللقاءات وغيرها لا تخرج عن الإطار الاستراتيجي للحراك السعودي، محليا وإقليميا وعالميا.