ارتباط العمليات التفاوضية بالعوامل الثقافية
عند خوض غمار المفاوضات أي كان نوعها، يجب مراعاة العوامل الثقافية لدى الطرف الآخر، بما في ذلك الخلفية التربوية أو الدينية، لكن يمكن الإشارة إلى تلك العوامل بعين الاعتبار قد لا يحتل الأولوية لدى البعض، وقد يذهب إلى حد مبالغ فيه لدى البعض الآخر،ويفهم من طبيعة العوامل الثقافية طرح الإشكالية في التعامل معها، وعادة ما يسألني البعض "كيف نتفاوض مع الصينيين؟"، وعندها أطرح أمامهم أسئلة أخرى حول الصينيين الذين يتفاوضون معهم، هل هم من العاصمة بكين أم من شنغهاي؟ هل هم من الريفيين المهاجرين إلى المدن أم أنهم أساسا من المدينة؟"، وترجع هذه التساؤلات إلى تنوع مكونات الشعب الصيني المؤلف من شرائح ذات خلفيات ثقافية متعددة تتجاوز مفهوم الثقافة الصينية الموحدة وعادة ما يتم التركيز على الثقافة الوطنية للطرف الآخر المشارك في المفاوضات الدولية، لكن هنا لك عدة معطيات لمفهوم الثقافة بما فيها الثقافة اللغوية والدينية والعرقية والجنسية، وهي بمجملها تؤثر في سلوك الأفراد"، ويؤكد ضرورة أن يتفهم المشاركون في المفاوضات مختلف تلك المعطيات وألا يحصروا تركيزهم في الثقافة الوطنية العامة للدول التي تنتمي إلى الطرف الآخر، وأهمية الإلمام بهذه العوامل الثقافية للمساعدة على فهم طريقة تفكير وأسلوب التواصل مع الآخرين ما يعزز طريقة التفاوض ويجعلها أكثر إقناعا.
من جانب آخر، حتى لو كان طرفا عملية التفاوض من خلفية قومية أو ثقافية متشابهة، يمكن للمفاهيم الخاطئة أن تظهر على السطح من خلال اعتماد كل من الطرفين على افتراضات مغلوطة حول الطرف الآخر عبر المبالغة في افتراض تشابه طريقة التفكير والتواصل لمجرد أن الآخر من الجنسية نفسها أو الخلفية الثقافية وفقا لفالكاو الذي يضيف: "عند التفاوض مع شخص مختلف، عادة ما يكون الطرف الآخر حريصا جدا على إدارة طريقة التفاوض والحديث معه". ويؤكد ضرورة النظر إلى التفاوض على أنها ممارسة ثقافية متداخلة، إذ تعتبر طريقة التواصل والتعامل حيوية جدا لإدارة عملية المفاوضات. في اليابان على سبيل المثال، يجب على المفاوض ألا يرفض بشكل مباشر أو أن يقول "لا" مباشرة، بل من الضروري إيجاد طريقة غير مباشرة لإيصال رفض شرط أو عرض ما إلى الطرف الآخر. وأن أهمية التدريب قبل الدخول في المفاوضات لتجنب ارتكاب الأخطاء في التعامل، إذ يمكن للمفاوض الاستعانة بشخص من بلد الطرف الآخر نفسها للمساعدة في فهم سلوكه، ومن الأفضل أن يتقن ذلك الشخص أكثر من لغة أو أن يكون لديه تجربة في أكثر من بلد، وخاصة البلد الذي ينتمي إليه الطرف الآخر، وذلك لضمان ترجمة دقيقة للمحادثات خلال عملية التفاوض.
إن اتباع تكتيك يعتمد على استراتيجية "الاستكشاف، التحضير والتأقلم"، ويقول: "أفترض دائما أنني لا أعرف شيئا عن خلفية الطرف الآخر، ما يساعدني على التوجه إليه من منطلق الرغبة في التعرف والتعلم لأتمكن من معرفة ماهيته كعدو أو كصديق"، لكنه ينبه إلى أن النظر إلى الطرف الآخر من طاولة المفاوضات كعدو أو كصديق فقط قد يكون خاطئا، إذا قد لا يكون أي منهما أو قد يكون الاثنين معا، فذلك يعتمد على طريق التعامل معهم، فعند التعامل معه كصديق قد يرد بالطريقة نفسها وكذلك الأمر عند التعامل معه كعدو، إن وجود طريقتين رئيستين في التعامل خلال المفاوضات مع الطرف الآخر، فإما تنافسية، وعندها يكون كعدو، وإما تعاونية، وعندها يكون كصديق، كما أن الخيار الأفضل يكمن في إيجاد منظومة تعامل مناسبة لكلا الطرفين، مع أنها قد تستغرق وقتا أطول، وتستغرق مجهودا أكثر، لكنها الأنسب لتأسيس علاقات طويلة الأمد ذات قيمة إضافية لكلا الطرفين ما يرجح نسبة نجاحها.