الخطر الوشيك .. على القدس الشريف
المطروح الآن لحل قضية الصراع العربي الإسرائيلي هو المبادرة المصرية، وفجأة دخلت فرنسا في الخط وأعلنت عن مبادرتها الفرنسية التي تقوم على أساس تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وبالذات القرار 242، كذلك لم تنكر فرنسا قرارات الشرعية العربية وأهمها مشروع السلام العربي القائم على مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز، ولكنها لم تتبن هذه القرارات.
ولذلك أزعم أن توقيت المبادرة الفرنسية تحوم حوله شكوك كثيرة، فهي مبادرة أتت بعد إعلان الرئيس السيسي عن مبادرة مصرية لتحريك عملية السلام!
دعوني أتحدث بصراحة ومن خلال خبرة واطلاع على الملفات السرية والعلنية لقضية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث إنني عملت في جامعة الدول العربية لأكثر من خمس سنوات ووقفت على كثير من الملفات السرية والعلنية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، بل حضرت عديدا من اجتماعات وزراء الخارجية العرب، وخرجت بيقين أن إسرائيل غير معنية على الإطلاق بكل المشاريع التي قدمها ويقدمها العرب لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط ، لأن السلام بمفهومه العربي ليس له مكان في أجندة الحكومات الإسرائيلية، وإنما الحكومات الإسرائيلية معنية فقط بمشروعها الإسرائيلي الذي يستهدف احتلال كل الأراضي الفلسطينية وعاصمتها القدس الكاملة غير المنقوصة.
وأؤكد أنه لا يوجد في أجندة الحكومات الإسرائيلية أن تعيد (الأراضي) التي احتلتها في عام 1967، وإنما هي تراهن على إعادة (أراض) احتلتها في عام 1967.
لقد قطعت إسرائيل شوطا طويلا في تنفيذ مشروع القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، والأوضاع العربية الحالية المزرية تشجع إسرائيل على المضي قدما في تنفيذ مشروعها دون خوف أو تردد.
وفي الداخل الإسرائيلي إيمان راسخ لدى كل فئات الشعب الإسرائيلي بإن القدس كاملة عاصمة أبدية لإسرائيل، وأن تعيين ليبرمان أخيرا على وزارة الدفاع سوف يتوج بمرحلة الاحتلال الكامل والنهائي لمدينة القدس.
وإسرائيل لم يعد يخيفها العرب، فالجيوش العربية تم تدميرها والأنظمة العربية تتداعى من دون جيوشها، ولذلك فإن إسرائيل تسرب الخرائط الجديدة للقدس الشريف التي تشير إلى أن الصهاينة أوشكوا على الانتهاء من الحفريات تحت المسجد الأقصى، وأنهم اقتربوا من أساسات قبة الصخرة والمسجد الذي سوف يصبح جاهزا للسقوط بمجرد ضرب الأساسات، وأنهم من ناحية أخرى يحضرون لإزالة المسجد الأقصى، ووضع مجسم الهيكل الجديد الذي أصبح هو الآخر جاهزا ليكون الهيكل الذي وهبه الرب لشعب إسرائيل!
وإذا حدث هذا لا سمح الله، وهو يشك – للأسف الشديد – أن يحدث ـ كما حذر من ذلك إمام المسجد الأقصى مرارا ـ، فإن هذا التغيير الملعون في التاريخ والجغرافيا يجعل الإسرائيليين يراهنون على أنهم سوف يضعون العالم أمام هيكل سليمان (مزعوم!) وأمام ركام مسجد (سابق!) قد تهدم تماما.
طبعا هذا السيناريو لم يعد سرا، بل إن إسرائيل تجاهر به صباح مساء كي تختبر ردود الأفعال العربية والإسلامية، وللأسف فإن ردود الأفعال السلبية السابقة هي التي شجعت الإسرائيليين على المضي قدما في تنفيذ مخططهم المريب، والسؤال المهم جدا: ماذا سيفعل العرب حينما يجدوا أنفسهم أمام أولى القبلتين وقد دمرت، وأمام هيكل مزعوم قد نصب وحل محل المسجد الأقصى.
منذ تعيين ليبرمان وزيرا لقوات الدفاع الإسرائيلي في مايو الماضي، والعرب يتوقعون الأسوأ من إسرائيل.
نعم ماذا سيفعل العرب، بل ماذا يستطيع المسلمون أن يفعلوا؟ دعونا نواجه هذه الكارثة بمنتهى الصراحة ونقول إنه لا يوجد في أيدي العرب ما يستطيعون فعله، وكل الذي يستطيعون فعله هو مجموعة بيانات تشجب وتستنكر وتندد سواء من لجنة القدس أو من مجلس التعاون الإسلامي، ومن الأزهر الشريف، ومن رابطة العالم الإسلامي، ولا بأس أن يستضيف مقر جامعة الدول العربية في القاهرة وزراء الخارجية العرب ليجتمعوا اجتماعا طارئا، ويصدروا مزيدا من بيانات الشجب والاستنكار والتنديد، ولا بأس كذلك أن يبادر مجلس التعاون الإسلامي ويدعو وزراء خارجية الدول الإسلامية إلى اجتماع طارئ يصدر هو الآخر مجموعة من بيانات الشجب والاستنكار والتنديد. بمعنى أن التحرك العربي والإسلامي سيكون في إطار بيانات شجب واستنكار وتنديد، بينما تكون إسرائيل قد استكملت وضع كامل نفوذها على كل أنحاء مدينة القدس، وتكون قد أزالت أكبر الآثار الإسلامية في القدس الشريف وهو المسجد الأقصى، وتكون – كذلك – قد رتبت مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان قضية نقل سفاراتهم إلى القدس اليهودية.
أما العرب والمسلمون فإنهم سيمضون في ترديد الأسطوانة إياها.. أسطوانة الشجب والاستنكار والتنديد لمدة شهر .. شهرين .. سنة وإلى آخر السنين.
والغرب يدرك مضمون هذه الأسطوانة فيترك العرب يثرثرون ويرددون الأسطوانة المشروخة حتى يفشوا غلهم، وبعد فش الغل .. تنتهي الفقاعة ويستطعم العرب الطعم، ويتأقلمون مع الوضع الجديد كما تأقلموا مع وضع احتلال إسرائيل لمئات المدن والقرى والنجوع حتى الاحتلال الكامل لكل الأراضي الفلسطينية.
وإذا افترضنا - في أحسن الأحوال – أن الحمية العربية تجاسرت مع الحمية الإسلامية وهددت بخوض حرب مسلحة ضد إسرائيل، فإن الغرب – الذي صنع إسرائيل ودعمها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه – لن يسمح بالحرب ويدعو كل الأطراف إلى ضبط النفس والهدوء والجلوس إلى مائدة المفاوضات لبحث القضية!
وبذلك يعود العرب مع الإسرائيليين إلى المربع الأول للتفاوض، وتطرح عليهم خريطة طريق جديدة تقل كثيرا عن خريطة الطريق التي وضعت أمامهم في عام 1947، أو لنقل إن الولايات المتحدة مدعومة من الاتحاد الأوروبي سوف يضعون مرة أخرى أمام العرب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهو مشروع يراد منه تقطيع العرب إلى دويلات، وبذلك يجد العرب أنفسهم في مواجهة تقطيع في فلسطين وتقطيع أكبر في كل الدول العربية، وهو ما حدث بالفعل في العراق وفي سورية وفي ليبيا وفي اليمن وفي السودان.
ولذلك إذا كانت خرائط الطريق السابقة صعبة على العرب، فإن خريطة الطريق بعد ضياع القدس سوف تكون أكثر صعوبة، بل سوف تضع العرب أمام خيارات صعبة جدا تتهدد أمنهم واستقرارهم بل تتهدد وجودهم.
إن الدفاع عن المقدسات فريضة ملزمة لكل مسلم ومسلمة، ولذلك المطلوب من كل مسلم أن يدرك أن مسؤولية تحرير القدس ليست مسؤولية أشخاص بعيونهم، بل هي مسؤولية كل إنسان مسلم، وعلينا أن نقدر الأمور جيدا ولا نترك القدس تذهب بعيدا عنا، ويجب أن ندرك أننا إذا استهنا بحقوقنا في القدس، فإن الله سبحانه وتعالى سوف يحاسبنا على هذه الاستهانة وينزل غضبه وعقابه علينا جميعا. ولذلك يجب أن نستنهض الهمم لحماية القدس من رجس الصهاينة ويجب أن لا نسلم القدس الشريف سهلة إلى حفنة من الأشرار ممن لا يستحقون هذا المكان الطاهر الجليل.