رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نظرة على مسح القوى العاملة

نشرت الهيئة العامة للإحصاء أخيرا نتائج آخر مسوحاتها للقوى العاملة في الربع الثاني من عام 2016م، والمسح هو أحد المسوح الميدانية التي تجرى على عينة من الأسر تزيد على 30 ألف أسرة. ويعكس المسح حجم القوى العاملة الوطنية والمقيمة وعدد المشتغلين والعاطلين عن العمل. وبناء على هذا المسح قدر حجم قوة العمل الإجمالية في المملكة بنحو 12.39 مليون شخص بلغ حجم المشتغلين منهم نحو 11.69 مليون مشتغل، بينما وصل عدد العاطلين عن العمل إلى 699 ألف شخص تقريبا. وبذلك، كان معدل البطالة الإجمالي نحو 5.6 في المائة، متراجعا بشكل طفيف عن معدله في العام الماضي البالغ 5.7 في المائة. أما بالنسبة لحجم قوى العمل الوطنية فقد وصل إلى 5.67 مليون شخص، بينهم خمسة ملايين مشتغل تقريبا، ونحو 658 ألف شخص من العاطلين. وعموما استقر معدل البطالة بين السعوديين عند معدلاته في العام الماضي البالغة 11.6 في المائة.
تشير بيانات المسح إلى نمو السكان الإجمالي والسعوديين في سن العمل (15 عاما وأكثر) بنسبتي 1.4 في المائة، 1.8 في المائة على التوالي وهو ما يرجح فرضية تراجع نسب نمو السكان المقيمين والسعوديين أيضا. ويظهر المسح تراجعا في معدلات نمو السكان السعوديين في فئة العمل مقارنة بمعدلات نموهم السكاني الإجمالي. من جهة أخرى نمت قوى العمل الإجمالية بنسبة 4 في المائة بينما نمت قوى العمل الوطنية بنسبة 1.3 في المائة. وتثير زيادة معدلات إجمالي القوى العاملة المقيمة وتراجع معدلات نمو إجمالي السكان المقيمين في سن العمل أكثر من تساؤل، كما تشير البيانات إلى حدوث تراجع قوي في نسبة النمو السنوي للقوى العاملة الوطنية مقارنة بالمعدلات التاريخية خلال الخمسة عشر عاما الماضية.
ارتفع توظيف العمالة الإجمالي (المشتغلون) بنسبة 4.1 في المائة خلال عام، بينما ارتفع توظيف العمالة الوطنية بنسبة 1.2 في المائة، وهو ما قد يشير إلى أن الاقتصاد ما زال يسير على نفس وتيرته السابقة في تشغيل عمالة مقيمة بمعدلات أجور منخفضة ومعدلات نمو أعلى من العمالة السعودية. وذهبت معظم الزيادات في توظيف العمالة الإجمالية إلى قوى العمل المقيمة، حيث ولد الاقتصاد حسب المسح 456 ألف وظيفة إضافية خلال عام، كان نصيب العمالة الوطنية منها 59 ألف وظيفة، بينما حصدت العمالة المقيمة باقي الوظائف، أي أن حصة العمالة الوطنية كانت نحو وظيفة واحدة من كل ثماني وظائف إضافية. أما إذا نظرنا إلى التوظيف على أساس الجنس، فقد ارتفع تشغيل الذكور الإجمالي بنسبة 2.9 في المائة خلال عام بينما تدنت نسب نمو تشغيل الذكور السعوديين إلى نحو 1 في المائة. ولّد الاقتصاد 282 ألف فرصة عمل إضافية للذكور خلال عام ذهب معظمها للمقيمين بينما حظي السعوديون الذكور بنحو 40 ألف فرصة عمل إضافية. وفيما يتعلق بالإناث، فقد ولّد الاقتصاد الوطني 174 ألف فرصة عمل إضافية خلال عام حظيت السعوديات منها بنحو 19 ألف فرصة. وهذا مؤشر على ذهاب معظم فوائد تأنيث بعض القطاعات للإناث المقيمات، وقد تطرح هذه التغيرات أهمية دراسة قضية ارتباط توظيف العمالة المقيمة بالعمالة السعودية، وهل تلزم زيادة توظيف العمالة المقيمة بمعدلات كبيرة لزيادة توظيف العمالة الوطنية؟ أو هل يقود توظيف مزيد من العمالة الوطنية إلى زيادة توظيف العمالة المقيمة؟ كما تطرح ضرورة دراسة أنماط التوظيف في القطاع الخاص، وهل هو - شأنه شأن القطاع العام – قائم على المعرفة والعلاقات الشخصية؟ كما تطرح ضرورة دراسة قضية ارتباط الملكية والإدارة الحقيقية لكثير من الأعمال بالتوظيف، وهل تعود للمقيمين أم لتفضيل الملاك المواطنين توظيف المقيمين لارتفاع إنتاجيتهم مقارنة بالسعوديين أم لقبولهم بأجور أقل من السعوديين؟ وعموما فإن ازدياد توظيف القوى العاملة المقيمة بمعدلات أكبر من معدلات توظيف العمالة الوطنية يطرح تساؤلا عن جدوى سياسات السعودة ويشير إلى انخفاض فاعليتها إذا صحت البيانات.
يثير النمو الضعيف للقوى العاملة الوطنية أكثر من تساؤل حول صحتها، فقد زادت حسب المسح بنحو 70 ألف شخص فقط، ولو قورن هذا العدد بعدد خريجي الجامعات والمعاهد السعوديين في المملكة وخارجها لم يبلغ نصفه. وإذا أضفنا إلى هؤلاء الداخلين الجدد إلى سوق العمل من متسربي التعليم والآخرين لما مثّلت زيادة قوة العمل في المسح ثلثهم وقد تنخفض إلى ربعهم. ويبدو من البيانات أنها تعاني معضلة حقيقية في عكس الوضع الحقيقي للقوى العاملة، فنمو القوى العاملة الوطنية يقل بكثير عن النمو السكاني، كما يبدو أن معدلات البطالة الوطنية ظلت ثابتة خلال عام على الرغم من التغيرات الاقتصادية والتراجع في الإنفاق الحكومي الذي قاد إلى تراجع نمو التوظيف في القطاع العام الموظف الرئيس للعمالة الوطنية. ويظهر المسح استمرار النمو القوي في تشغيل العمالة المقيمة على الرغم من التراجع الكبير في عمالة عدد من شركات الإنشاءات الكبيرة التي كانت توظف أعدادا كبيرة من العمالة المقيمة وهو أمر مثير للاستغراب. ولا تدعم بيانات نمو الناتج المحلي السنوية الضعيفة للربع الأول من عام 2016م نتائج المسح، حيث شهد ناتج القطاع الخاص نموا ضحلا بالأسعار الاسمية والحقيقية، بينما عانى ناتج القطاع الحكومي الاسمي والحقيقي تراجعا واضحا. فكيف ترتفع معدلات تشغيل العمالة بنسبة 4.1 في المائة بينما يتراجع الناتج المحلي غير النفطي بالأسعار الحقيقية والجارية وهو أمر لا يمكن حدوثه حسب التحليل الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي