التنسيق والنزاهة يحميان الاقتصاد العالمي
تُعقد قمة مجموعة العشرين، وسط كثير من التطورات والمتغيرات على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهي الجهة الفعلية التي أخذت زمام المبادرة على الساحة الدولية منذ أزمة 2008 العالمية. ولأنها كذلك، فإن مسؤولية هائلة تقع على عاتقها، بدءاً من السياسات الاقتصادية المحلية-الوطنية، وانتهاءً بالسياسات التي تشكل معالم الحراك الاقتصادي العالمي. دون أن ننسى، أن التوترات السياسية بين بعض أعضاء مجموعة العشرين، أثرت بصورة أو بأخرى في حراكها، لكنها لم تتمكّن من إيقاف هذا الحراك؛ لأنه لا توجد في الواقع جهة أخرى بديلة عن هذه المجموعة، ولا يبدو أن بديلاً سيظهر مستقبلاً. فالسيطرة على 85 في المائة من الاقتصاد، لم تأت بقرار، بل نتيجة تراكمات وإمكانات وتحركات طويلة تعود إلى عقود من الزمن.
هناك عناوين كبرى أمام القمة تختص بكل شيء تقريبا، ولكن أبرزها تدابير السياسة المالية والنقدية والإصلاح الهيكلي لتعزيز النمو الاقتصادي. وهذا العنوان العريض تم بالفعل التوافق عليه على مستوى وزراء المالية وحكام البنوك المركزية، وهو يتنقل إلى المستوى الأعلى لإقراره. وكانت هذه التدابير تشكل كثيراً من المعطلات تجاه الإصلاح المطلوب، وبربطها مع الإصلاح، تكون عقبة قد أزيلت بالفعل في مسيرة الاقتصاد العالمي. فكما يعرف الجميع، أن سياسات التيسير الكمي أحدثت اضطراباً عالمياً حقاً، ولم تربط في الواقع بأي مستوى من الإصلاح في السنوات القليلة الماضية، ولا سيما في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، التي دفعت البلدان الكبرى إلى مزيد من التقوقع الاقتصادي المحلي.
هذه النقطة تمهد بالفعل الطريق أمام رفع مستوى التنسيق الاقتصادي بين دول المجموعة، وبالتالي سينعكس هذا مباشرة على أداء الاقتصاد العالمي. وفي الآونة الأخيرة، أبدت الصين (على سبيل المثال) مزيداً من المرونة في هذا الجانب، وهي تلتزم الآن بهذه السياسة في ظل رئاستها الدورية لمجموعة العشرين. والحق، أن عمليات التنسيق الناجحة بين دول مجموعة العشرين، تؤدي تلقائياً إلى مزيد من النمو الاقتصادي على المستوى العالمي، وهو ما يحتاج إليه العالم الآن أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً مع تراجع معدلات النمو في أغلبية بلدان العالم؛ بل إن اقتصاداً من ضمن المجموعة (وهو الاقتصاد الروسي) لا يواجه النمو المنخفض؛ بل الانكماش. وعلى هذا الأساس، فإن تعزيز جودة التنسيق يفرز نتائج ضرورية مطلوبة الآن.
هذا يستدعي الحديث عن مستويات الحوكمة الاقتصادية العالمية، وهي بالمناسبة ليست بالمستوى المأمول حتى في البلدان الأكثر تقدما. ويبدو واضحاً أن هناك توافقاً حقيقياً هذه المرة على التوصل إلى صيغة مقبولة لا تكفل الحوكمة العالمية فحسب؛ بل تضمن أن تكون بمستوى من الجودة التي يحتاج إليها العالم. وإذا لم يتم النجاح على هذا الصعيد، فكيف سيكون حال الحوكمة بالنسبة لبلدان خارج المجموعة، وتحديداً تلك التي تعاني اضطرابات اقتصادية هائلة، بعضها مهدد بالانهيار التام؟! هذا الأمر يتطلب نزاهة عالية المستوى أيضا، والأهم أن تكون هناك إرادة لدى البلدان التي تصنع القرار الاقتصادي العالمي بصورة أو بأخرى، مع الأخذ في الحسبان متطلبات الاقتصادات الوطنية لكل الدول المعنية بهذا الأمر.
القضايا كثيرة تلك التي تبحثها قمة مجموعة العشرين في الصين؛ منها أيضاً أوضاع الاقتصادات الناشئة وإمكانية أن تتسبب هذه الاقتصادات في أزمة عالمية، بما فيها الاقتصاد الصيني. وهذه النقطة لا تقل أهمية عن أي قضية أخرى مطروحة أو ستطرح في هذه القمة والقمم الأخرى المقبلة. فلا تزال المؤشرات الخطيرة تظهر من جانب "الناشئة" حتى اليوم، بينما لا يتحمل العالم أي أزمة اقتصادية عالمية في هذا الوقت بالذات.