المراجعة الداخلية مقابل المتابعة والمراقب المالي «2 من 2»
في مقال سابق تحدثت عن المقارنة بين أعمال المراجعة الداخلية، وبين أعمال إدارة المتابعة والمراقب المالي. أعتقد أن الفرق واضح بما فيه الكفاية، فإدارة المتابعة والمراقب المالي يتابعان العمل اليومي، الحالات الفردية، لكن ليس من مهامهما فهم وتقييم الإقرارات التي تقدمها الإدارة التنفيذية لمتخذي القرار الرئيسين، تلك الإقرارات التي تقدم دوريا أو استثنائيا من خلال تقارير رسمية. وبالعودة إلى المقال السابق، فإن الإدارة التنفيذية اليوم تعمل على حماية الأهداف التي تحت مسؤوليتها، ولقد شرحت بالتفصيل معنى ذلك في المقال، ومن خلال الأعمال التي تقوم بها الإدارة التنفيذية فعليها أن تقدم تقارير إلى المسؤول الأعلى، هذه التقارير تتضمن معلومات، والمعلومات تتضمن الإقرارات "معظمها غير مفصح عنه مباشرة في التقرير". لتوضيح ذلك نفترض أن إدارة شؤون الموظفين رفعت تقريرا بشأن الترقيات، يتضمن تنفيذ ترقية 20 موظفا. هذا التقرير وقعه ورفعه مدير إدارة شؤون الموظفين على أساس أنه حقق الهدف من ترقية الموظفين، هذه هي المعلومة الرئيسة التي تم الإفصاح عنها في التقرير، لكن الحقيقة أن هناك معلومات مهمة جدا بل خطيرة تضمنها التقرير ولم يتم الإفصاح عنها مباشرة. الهدف من الترقية كان سيتحقق دون الحاجة إلى مدير "هذا شرحته في المقال السابق"، فمسؤولية المدير هي حماية هدف ترقية الموظفين من المخاطر التي تحيط به، وهذا التقرير الذي رفعه ويتضمن سطرا واحدا فيه معلومة تفيد بتنفيذ الهدف بترقية 20 موظفا لكن لم يشر إلى حماية الهدف نفسه لكن التقرير تضمن ذلك. فعلى سبيل المثال وليس الحصر ــــ تضمن التقرير ما يلي: (1) أن هناك فعلا 20 موظفا على ملاك الجهة، وأنهم موجودون فعلا، ولديهم قرارات رسمية بالتوظيف، (2) أنهم جميعا مستحقون للترقية، (3) أنه تمت ترقية كل الـ 20 موظفا فعلا وليس أقل من ذلك كأن يكون العدد 19 بينما التقرير يتحدث عن 20، أو أنه تمت ترقية 21 بدلا من ذلك، (4) إنه لا يوجد في الجهة من هو مستحق للترقية بدلا عنهم أو بعضهم، (5) إن إجراءات الترقية كانت صحيحة ومستوفية المسوغات والتوقيعات الرسمية، (6) إن جميع الموظفين الذين تمت ترقيتهم هم على رأس العمل في الجهة فلم تتم ترقية منقطع أو مكفوف اليد أو متوفى. كل هذه الأمور والموضوعات قد أقر بها المدير التنفيذي لشؤون الموظفين وهو يرفع تقريرا مختصرا مفاده إتمام عملية ترقية 20 موظفا، على الرغم من أنه لم يشر إليها في تقريره، لكنها تضمنته. والسؤال الآن هل المسؤول الأعلى في الجهة الحكومية يستطيع التحقق من كل هذه المعلومات الضمنية بمجرد قراءة التقرير؟ بالتأكيد الإجابة بلا. هل سيقوم بنفسه بالتحقق من كل هذه المعلومات الضمنية؟ بالتأكيد الإجابة بلا؟ والسؤال المهم جدا من سيقوم بها؟
إدارة المتابعة قد تقوم ببعض هذه الموضوعات بشكل دوري ضمن مهامها اليومية لكنها لن تهتم بشأن التقرير نفسه، وليس التحقق من التقارير من ضمن مسؤولياتها، بمعنى أن المتابعة قد تقوم بعمليات متابعة حضور الموظفين بشكل روتيني بعد صدور قراراتهم في مواقعهم الجديدة، وإذا تغيب أحدهم رفعت بالحسم منه، قد تكتشف بعض الحالات وقد لا تكتشف شيئا وخاصة إذا رفعت الجهة تبريرا بعدم الحضور. المراقب المالي سيدقق في كشف الرواتب بشكل إجمالي، إذا من يرفع تأكيدا إلى المسؤول الأعلى حول التقرير الذي رفعته إدارة شؤون الموظفين بأن كل الإقرارات المتضمنة في التقرير قد تم التحقق منها؟ أعلن التحدي مرة أخرى بل مرات، لأي جهة حكومية أن تتحقق من كل الإقرارات التي تردها في التقارير التي ترفعها الجهات التنفيذية إذا لم يوجد لديها مراجعة داخلية ذات كفاءة عالية. المراجعة الداخلية مهمة جدا، لدرجة أنه يصعب تصور مسؤول أعلى في وزارة أو جهة عليها مسؤوليات ضخمة وترفع له التقارير التنفيذية ومع ذلك ليس لديه جهة مستقلة تتحقق من المعلومات الواردة فيها.
سأعطيكم مثالا آخر مما لا يمكن لأي إدارة غير المراجعة الداخلية أن تحقق منه، إنهاء عقود شركات التشغيل والصيانة، هذه الشركات تقوم باستقدام العمالة بناء على العقد المبرم مع الجهة الحكومية، بمعنى أن هذه الشركات حصلت على العمالة بسبب الجهة الحكومية وللعمل فيها. عندما يرفع المدير التنفيذي تقريرا عن أعمال الشركة، فهذا التقرير يتضمن ـــ وإن لم يفصح عن ذلك ــــ أن جميع التأشيرات التي حصلت عليها الشركة بسبب العقد قد تم توجيهها لمصلحة الجهة الحكومية، فلم يتم مثلا استخدام التأشيرات في السوق السوداء وبيعها مع توفير عمالة كافية للجهة الحكومية، أو تم توفير العمالة من خلال عقود مخفية مع شركات الاستقدام. ثم إذا انتهى العقد يجب نقل كفالة العمال على الجهة الحكومية صاحبة العقد أو أن يتم ترحيلهم فورا، السؤال الذي أرفعه دائما من خلال هذه المقالات هو من يتأكد أن الشركة والإدارة التنفيذية في الجهة الحكومية قد التزمت بهذا كله. أتحدى أي جهة أن تتأكد من كل ذلك (بشكل مهني احترافي) إذا لم يكن لديها إدارة للمراجعة الداخلية.
الرسالة التي أريد أن أرفعها لكل مسؤول، أنه لا تعارض ألبتة بين إدارة المراجعة الداخلية وإدارة المتابعة، لا تجمع الإدارتين في إدارة واحدة فلا معنى من ذلك إلا تعطيلهما معا، لا تستمع لرأي المديرين التنفيذيين في أهمية وجود المراجعة الداخلية، ذلك أنها خط الدفاع الأخير لك أمام المخاطر التي تتحملها وحدك.