عندما يكذب المثقف (2)
الحديث عن تغول بعض مثقفي الشمال، واستكثارهم على المملكة وبقية دول الخليج العربي، مشاركتها في الفعل الحضاري والإنساني في الماضي والحاضر، أفضى إلى وجود نوع من الخطاب الفوقي الزائف، الذي سرعان ما يتهاوى أمام الحقائق. وفور انكشاف الحقائق يبادر أولئك لتقديم الاعتذارات، فور ظهور من يتصدى لهم ويفند مزاعمهم.
والحقيقة أن على شبابنا وفتياتنا الذين حصلوا على فرصة الابتعاث إلى الخارج، دورا مهما في تقديم صورة عن الوطن وحضاراته وعن قيم السلام والكرم والنبل التي ينطوي عليها المجتمع سواء في العهود الماضية أو الحاضرة.
وتزداد أهمية مثل هذه المبادرات، مع وجود هذا التغول الذي يتطاول على مجتمعنا، ويحاول مع اضطراب الصورة الحالية بسبب طوفان الغلو والتطرف، أن يسبغ على المجتمع صفات سلبية، لا تمثل جوهره ولا حقيقته.
لقد عاشت مجتمعاتنا حياة حاجة وفاقة، وكانت خلال ذلك تستمد ألقها من خلال جملة القيم الحضارية التي أعطت لإنسان المملكة ودول الجوار القوة والقدرة على استثمار المتاح من أجل تحقيق الأفضل.
وكانت تضاريس الأرض، في كل بقعة تحمل في ثناياها بصمات ذلك الإنسان الذي تعايش مع التغيرات التي شهدها الكون، واحتفظت ذاكرة الجزيرة العربية الجيولوجية والتاريخية بكثير من المعطيات التي تحكي التقلبات التي شهدتها كما شهدها العالم أجمع، وكما كانت الجزيرة العربية ذات يوم مروجا خضراء، فقد كانت أيضا محطة للفعل الحضاري، والتواصل الإنساني والاقتصادي. تلك الرسائل من المهم أن يستمر التذكير بها والتأكيد عليها. وللإنصاف فقد كان الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ولا يزال يعيد التذكير بهذه الحقائق من خلال منابر عالمية، ولعل طلابنا وطالباتنا في دول الابتعاث يصوغون هذه الحقائق وينقلونها إلى محيطهم. وهناك لوم وعتب على مؤسسات الفكر والثقافة الخاصة والعامة لدينا، إذ ليس من المعقول هذا الغياب التام عن الفعاليات الثقافية التي تشهدها بلدان العالم. إن هذا الغياب، وعدم المشاركة في الملتقيات الثقافية والفكرية التي تشهدها بلدان عربية وغير عربية، يتيح لمن يزعم أنه لا يوجد في المملكة فكر ولا ثقافة أن يردد مزاعمه، دون أن يتصدى أحد للرد عليه.