استغلالا لفقرهم .. أفغانيون وباكستانيون وكلاء إيران في سورية وخارجها
تملك إيران تاريخا طويلا في تشكيل جماعات عرقية مقاتلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط لخوض معارك غير تقليدية ضد المصالح الغربية، وأخيراً، ضد السنّة. وفي الوقت المناسب، أصبح الوكلاء "الشيعة" من الأفغان والباكستانيين الذين جندتهم إيران للمساعدة في الدفاع عن نظام الأسد في سورية، قوات مهمة تستطيع أن تُستخدم في النهاية لإطفاء نيران الصراعات الإقيلمية الأخرى أو تأجيجها. وفقا لتقرير مطول استعرض تأسيس هذه الميليشيات وتوزيعها وحجم مشاركتها بالوكالة لحساب إيران أعده الباحث المختص في الشأن الإيراني "فرزين نديمي" ونشره معهد واشنطن للدراسات.
أين بدأ كل هذا؟
في السنوات الأخيرة، زادت قوات «فيلق القدس» من تجنيد المقاتلين الشباب من المجتمعات الشيعية الأفغانية والباكستانية. ففي أفغانستان يوجد نحو 4.6 مليون شيعي، أو 15 في المائة من السكان؛ يعيشون بشكل رئيس في الجزء الأوسط من البلاد، وغالباً ما تستهدفهم حركة "طالبان". وتشكّل إيران وطناً لمجتمع أفغاني كبير، يتألف أكثر من 70 في المائة من عرقية الطاجيك والهزارة، وهذه الأخيرة شيعية بأغلبيتها. ويعيش هناك بعض هؤلاء الأفغانيين ويعملون دون الوثائق اللازمة، ولذلك هم في خوف دائم من أن يتم ترحيلهم إلى أفغانستان، حيث أن نحو 40 في المائة من القوة العاملة عاطلة. ووفقاً لتقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي، تزداد احتمالات الاندماج المحلي صعوبة بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور.
وفي باكستان المجاورة، يعيش ثاني أكبر عدد من الشيعة بعد إيران (نحو 20 في المائة من السكان، أو 38 مليون شخص). وأدت التوترات الطائفية مع السنّة إلى قيام أضيق المجتمعات الشيعية وأكثرها انعزالاً، وشهدت البلاد عدة انتفاضات شيعية في تاريخها الحديث. ومنذ ثورة إيران عام 1979، دعمت إيران الشيعة الباكستانيين، وبصورة أساسية من خلال فتح المدارس الدينية للطلاب الباكستانيين.
وخلال الحرب الحالية، بدأت إيران في تجنيد متطوعين أفغانيين وباكستانيين بشكل جديّ بعد أن فشلت في جمع عدد كاف من السوريين لضمهم إلى مختلف الميليشيات المحلية غير النظامية التي تدعمها قوات «الحرس الثوري» منذ عام 2012. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ما الذي سيحدث لآلاف المحاربين بعد عودتهم من سورية؟ فمن المستبعد جدا أن يتم السماح لهم جميعاً بالسكن بشكل دائم في إيران على غرار "فرقة الغوركا" من الجيش البريطاني. وبدلاً من ذلك، من المحتمل أن يتم تشجيعهم على العودة إلى بلدانهم، وذلك جزئياً كي تستطيع قوات «الحرس الثوري» الإيراني الاستعانة بهم بشكل منظّم في المستقبل. فعلى سبيل المثال، اقترح قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني، خلال زيارة قام بها أخيراً لعائلة قائد عسكري أفغاني قُتل في سورية، استمرار الجماعات مثل الميليشيات الأفغانية لواء «الفاطميون» في مساعدة إيران في الدفاع عن العالم الإسلامي بأكمله. على حد تعبيره.
المجندون الأفغانيون
كان الأفغانيون من بين أوائل المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى مقاتلي "حزب الله" في سورية، بدءاً من عام 2014. فقد تم تجنيدهم من مجتمعات المهاجرين الأفغانيين في إيران وسورية، ومن أفغانستان نفسها وفقاً لبعض التقارير عبر وكالات سفر مشاركة. حتى إن بعضهم أتوا من بلدان أوروبية. وينضم هؤلاء المجندون لأسباب عديدة ومتنوعة منها دينية أو من أجل تحسين فرصهم في الحصول على الإقامة أو تصاريح العمل في إيران، أو من أجل التعويضات المالية، وهكذا دواليك.
وزعم سيد حسن حسيني نائب القائد الراحل للواء "الفاطميون"، المعروف أكثر بـ"سيد حكيم"، أنّ عدد الميليشيات الأفغانية قد وصل إلى نحو 14000 مقاتل، وهم منظّمون بين ثلاث كتائب في دمشق وحماة وحلب ومجهزون بوحدات مدفعية ومدرعات واستخبارات خاصة بهم. ولكن هذا العدد يبدو بعيد الاحتمال؛ وتقترح مصادر اقتبسها صحافيون غربيون أنّ عدد القوات أقل من ذلك بكثير، وربما يكون نحو 3000 مقاتل. وذكر أيضاً قادة لواء «الفاطميون» أنّه يُدفع للمقاتلين راتباً شهرياً ضئيلاً قدره 450 دولارا أمريكيا، إضافة إلى منافع هجرة مؤقتة لعائلاتهم في إيران، وذكرت مصادر أخرى أنّ الراتب يتراوح ما بين 600 و700 دولارٍ أمريكي.
وقبل نشر هؤلاء الأفغانيين، يتم تدريبهم من قبل أفراد من قوات «الحرس الثوري» الإيراني، الذين يشير إليهم عديد من المقاتلين الأجانب بـ "الأنصار". ويشمل التدريب دورة أساسية قصيرة أمدها 20 إلى 30 يوماً في مدينة قرجك في جنوب غربي طهران. ووفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية "تسنيم"، أكمل أخيراً بعض المقاتلين الأفغانيين تدريباً أشد صرامة من قبل مدربين من «حزب الله»، شملت دورة تدريبية للقناصة.
وبعد تلقي تدريبهم الأساسي، يتمّ نقل المقاتلين الأفغانيين جواً إلى سورية لاكتساب الخبرة ضدّ قوات المتمردين، التي قيل لهم إنّها تشكل تهديداً للمواقع المقدسة الشيعية في البلاد. ووفقاً لعديد من المقابلات والمدونات التي تضم أفرادا من لواء «الفاطميون»، تريد قوات «الحرس الثوري» الإيراني أن تعمل وحداتها "الوكيلة" بأكثر استقلالية ممكنة. وفي 13 آب (أغسطس) أعلنت "مؤسسة الشهداء" - النسخة الإيرانية من وزارة شؤون المحاربين القدامى في الولايات المتحدة - أنها ستقدم الرعاية والخدمات الاجتماعية لعائلات الأجانب الذين قُتلوا أو أصيبوا بجروح في سورية، وهم يقاتلون بالنيابة عن الجمهورية الإسلامية، وذلك من أجل التخفيف من المخاوف المالية المتعلقة بأسرهم في إيران. ووفقاً للمؤسسة ومصادر إيرانية أخرى، قُتل على الأقل 200 مقاتل من لواء «الفاطميون» وأصيب مزيد منهم بجروج في الحرب.
المجندون الباكستانيون
يشكّل لواء «الزينبيون» الذي تم إنشاؤه قبل عامين ونصف عام، جماعة متطوعة أخرى تقاتل في سورية، حيث تم تدريبه من قبل قوات «فيلق القدس» في المدينة الشيعية المقدسة مشهد. وقد وصفت "وكالة أنباء فارس" التابعة لـ «الحرس الثوري» وحدة «الزينبيون» كقوة هجومية من النخبة تضمّ أكثر من 5000 شخص من المقاتلين الشيعة الباكستانيين الشباب، غير أن وكالة أنباء "رويترز" ووسائل إعلام غربية أخرى تفيد أنّ العدد لا يزيد على الألف.
ويشكل "المجمع العالمي لأهل البيت" إحدى المنظمات الإيرانية الرئيسة المرتبطة بجهود مماثلة في تجنيد المقاتلين؛ فهي تعمل من طهران تحت الإشراف المباشر للمرشد الأعلى علي خامنئي، وتملك أموالا وافرة لـ "تثقيف" عقول الشباب الشيعة. ومنذ عام 1990، كان هذا "المجمع" يعمل على إيجاد شباب شيعة ومتحولّين جدد إلى الطائفة الشيعية وتنظيمهم وتدريبهم ودعمهم، فضلاً عن إدارة أنشطتهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ويشارك «حزب الله» بصورة نشطة في المنظمة، وله عضو دائم في مجلس إدارته.
ووفقاً لمقابلة في مجلة إيرانية مع القائد الحالي للواء «الزينبيون»، المعروف فقط بـ "كربلاء"، يتلقى المجندون بعض التدريب في مشهد قبل أن يتم نقلهم إلى سورية. ويتلقى بعضهم أيضاً تدريبا على استخدام الأسلحة الخاصة، من بينها دورة تدريبية للقناصة أمدها 45 يوماً.
وعند وصولهم إلى ساحة المعركة، تقود قوات «فيلق القدس» أو «حزب الله» وحدات لواء «الزينبيون» في بعض الأحيان. وفي خبر نُشر في 26 تموز (يوليو) في "وكالة أنباء فارس" زُعم أن «الزينبيون» لديهم سمعة في المثابرة وموقف عدم التراجع، رغم أنّ هذا الواقع لم يُذكر على نطاق واسع في أماكن أخرى. وادعت هذه القصة أنّ المئات من مجندي لواء «الزينبيون» قد قُتلوا في المعارك في الأعوام الثلاثة الماضية، ومعظمهم عندما كانوا يحاولون فتح الحصار عن مدينتي نبُل والزهراء شمال حلب في شباط (فبراير) الماضي.
وعلى نحو مماثل، عبّر أحد قادة لواء «الزينبيون» في عدد تموز (يوليو) 2016 لمجلة "پنجره" الإيرانية المحافظة، عن استعداده للقتال على أي جبهة، يعتبرها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ضرورية.
الخاتمة
في مرحلة ما في المستقبل، من المرجح أن يقرر هؤلاء المقاتلون من ذوي الخبرة حمل أسلحتهم مجدّداً أو سيتم أمرهم بذلك، والقتال تحت ظروف لا يمكن التنبؤ بها، ربما ضدّ متطرفين سنة، أو ضدّ جهات حكومية أو حتّى ضدّ حكوماتهم المنتخبة ديمقراطياً. وإذا استطاع المقاتلون الأفغانيون والباكستانيون المحافظة على تماسكهم التنظيمي، قد يستطيعون تغيير وتيرتهم من حرب دفاعية إلى عمليات هجومية في أراضٍ يختارونها بأنفسهم. وكما أعلن قائد سابق في لواء «الفاطميون» قبل مقتله في إحدى المعارك، الجماعة "لا تعرف أي حدود، ولن تتوقف حتى يتم تحرير جميع أراضي المسلمين".
وفي الوقت الّذي تجتاح فيه الصراعات المباشرة وبالوكالة منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، يتوقع التقرير استمرار الخصومات في تجاوز الحدود الوطنية تاركةً آثارا مزعزعة للاستقرار ولا يمكن التنبؤ بها. ومن خلال توسيع وحدات شبه عسكرية بصورة تدريجية وتزويدها بمزيد من الأسلحة المتطورة وتدريبها على التكتيكات العسكرية، ودون رادع دولي تبدو إيران عازمة على تشكيل جنود مشاة بأعداد كافية لتحقيق حلم آية الله خامنئي.