المسارات الاستراتيجية للعلاقات السعودية - الصينية
تسارعت خطوات التعاون بين المملكة والصين في الفترة الماضية على أكثر من صعيد، وفق مسار لهذه العلاقات يتجه نحو سلسلة من الشراكات الاستراتيجية على الصعيد الاقتصادي، لأسباب عديدة، في مقدمتها "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المواكب لها، وارتفاع وتيرة النشاط الاقتصادي الصيني على الساحة العالمية بشكل عام. فقد وجدت القطاعات الاقتصادية المختلفة في كلا البلدين مجالات واسعة للتعاون والاستثمار والتنمية، تصب في مصلحة الجانبين. ومن هنا، فإن أي تحرك متبادل بين الرياض وبكين، يقدم "عوائد" تحاكي المصالح المشتركة على المدى البعيد، بل تدعم الأطر العاملة لحراك مجموعة العشرين التي يشكل فيها البلدان ركيزتين أساسيتين عالميتين.
زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الصين، تدخل ضمن الحراك الذي يقوم به الأمير على الساحة الدولية، لدعم الأدوات التي تقوم عليها "رؤية المملكة 2030"، خصوصا على صعيد البلدان المحورية على الساحة الدولية. هذه الزيارة تأتي بعد سلسلة من الاتفاقيات بين الجانبين في مختلف المجالات، الأمر الذي سيدعم حراك هذه الاتفاقيات، ويولد معها طاقة إضافية تدفعها إلى الأمام، في الوقت الذي تفتح فيه السعودية الأبواب أمام أي مشاركة أجنبية في الحراك الاستثماري المحلي، بما في ذلك تلك التي ترتبط مباشر بمشاريع البنية التحتية. وعملية إعادة بناء الاقتصاد السعودية، دفعت عديدا من البلدان إلى التقدم نحو المملكة للمشاركة بالصورة التي تتماشى مع الأهداف المحلية الوطنية.
ولأن الأمر بهذه الصورة، فقد منحت الرياض المستثمرين الصينيين امتيازات كثيرة، وفي مقدمتها بالطبع سهولة الدخول للسوق المحلية، واستبعادهم من تصنيف المقاولين. وفي المقابل تتحرك الحكومة الصينية باتجاه تذليل العقبات أمام الاستثمارات السعودية، من خلال سلسلة من القوانين المشابهة لتلك التي اتخذتها السعودية بحق الجانب الاقتصادي الصيني. دون أن ننسى، أن الاستثمارات الصينية بلغت قطاعات في المملكة منها السكك الحديدية والبناء والموانئ ومحطات الكهرباء والاتصالات، وهي كما هو واضح من القطاعات المحورية ليس فقط من الجانب الاستثماري بل الاستراتيجي أيضا.
هذه التطورات على صعيد العلاقات السعودية-الصينية، تأتي أيضا في ظل انضمام المملكة إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البينة التحتية، وهي خطوة مهمة خصوصا بمشاركة عدد كبير من البلدان المتقدمة في هذا البنك، بما فيها بعض بلدان الاتحاد الأوروبي. وهذا النوع من التعاون يدعم آفاق العلاقات الثنائية من الجهة العالمية. وهناك أيضا مجالات تعاون على الساحة الدولية تصب في النهاية في مصلحة الطرفين، بل تدعم بصورة مباشرة الحراك العالمي ككل. العلاقات الثنائية بين الرياض وبكين، دخلت عديدا من المراحل في السنوات القليلة الماضية. وهي ماضية إلى الأمام، من خلال زيادة التبادل الاستثماري والتجاري بينهما، وتعميق العلاقات بصورة تدعم سمة الشراكة التي تجمعهما. فالسعودية (كما هو معروف) هي أكبر شريك تجاري للصين على مدى سنوات طويلة، وهي المورد الأول للنفط الخام في إفريقيا وغرب آسيا.
واستنادا إلى هذه التطورات بل التحولات والمسارات الناجحة في العلاقات بين السعودية والصين، فإن زيارة ولي ولي العهد إلى بكين، ومشاركته في قمة مجموعة الـ 20 التي ستعقد الشهر المقبل في مدينة هانجشتو في شرق الصين هي بحد ذاتها خطوة استراتيجية نحو آفاق أكثر رحابة واتساعا بين بلدين محوريين في منطقتيهما وعلى الساحة الدولية أيضا. مع ضرورة الإشارة إلى وجود "رؤية المملكة 2030" على الساحة السعودية، التي تستوعب كل من يرغب في أن يكون له دور إيجابي فيها.