لماذا فقد الخطاب الديني تأثيره؟ «2»

مفردة التعميم تأتي هنا، ليست على سبيل الشمول والاستيعاب لكل مفرداته، وكل أفراده، كما أنه لا يتوقف عند دين دون آخر .. والذي يظهر من الانسحاب الديني .. يقع وزر أكثره على النماذج المتشددة، ومن حماسة الجهل، ونزعة التطرف..
في المقال السابق توقفت عند كراهية النقد، ونقد الذات، وهو السبب الأول في ضعف التأثير للخطاب الديني، وحالته الضعيفة شكلا ومضمونا. وكتبت ما كتبت وأذني ستسمع ما هم معتادون على قوله ونشره أن -هذا الخطاب الموجه لهم- بضرورة نقد الذات، وتقبله، هو جزء من مشروع "المؤامرة" عليهم، وهو جزء من السعي للنيل منهم، وتضعيفهم أمام الأنصار والموالين والأتباع. ولا ينظر حملة الخطاب الديني غالبا للنقد بوصفه -سعيا للكمال- في عمل بشري طبعه النقص وعدم التمام فيه. ومن سنن الحياة كراهة النقد وهي تعظيم للنفس، ومرض الأنا.
ثاني أسباب الفشل والضعف، "الانغلاق" وعدم الانفتاح على الآخر الديني، مخالفا بهذا روح القرآن الذي يؤسس وحدة الجمع، الله والعدل والرحمة. فمن تلتقي معه في الإيمان بالله، ومن تجتمع معه في القيام بالعدل والرحمة والقسط. قال الله تعالى "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهمۖ وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" (46) العنكبوت. إلهنا وإلهكم واحد .. الذي يجعلنا جميعا مسلمين له ثم إن إيماننا بالله، وبالدار الآخرة، هو امتداد الوحي لما سبق أن أنزل عليهم آياته ذاتها، وهو رسول سبق من قبله الرسل.
هذا الخطاب القرآني الحاضر الوعي، ورهيف الحس، ومتجلي الحضور لكل نفس، بدله الخطاب الديني المعاصر، بنقيضه في مواقع عديدة، وضاقت الدائرة لكراهية المذاهب الإسلامية لبعضها، والسقوط في صفات التهوين، والازدراء، وهو انغلاق على الذات، لم تسلم منه حتى الفتوى في بعض الأحيان التي أصبحت تهب علينا إحداها تناقض الأخرى.
الضيق في النفس والفكر، وذاك الجزم واليقين في الاجتهاد عند كل فرقة، والعجز عن تقبل الآخرين والتعالي من بعضهم على نقد المخلصين والصادقين، وتحويل مظاهر الدين إلى جوهره وكينونته. والوقوف في الاجتهاد عند القرن الأول الهجري في كليات الفهم والاستيعاب وأسباب الاستنباط. هذا كله جعل الخطاب الديني يواجه ما هو عاجز عن الوقوف أمامه، ويرد على الآخر بشكل غير مقبول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي