رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التطور الحاضر الغائب

تسير على ألسنة الناس لفظة تطور، دون أن يعي من يطلقها معناها الحقيقي، أو ربما لديه معنى للتطور يعتقد أنه المعنى الصحيح. قد يسافر خارج وطنه، وبعد عودته يبدأ يحدث أصحابه عن تطور البلد الذي زاره، ولو سئل عن مظاهر التطور التي لمسها تجده يشيد بارتفاع بناياتها، أو بطراز البناء، أو ألوانها حتى أنه يعتقد جازما بتطور البلد، ويدافع عن رأيه دفاعا مستميتا. ترى هل هذا هو المعنى الحقيقي للتطور، أم أنه معنى ومفهوم مشوه؟!
ارتفاع المباني، وطرازها ليس بالضرورة مثالا على التطور، بل إن الوفرة المالية قد تحقق أعلى المباني، وأجملها، فأصحاب الخبرة في التصميم، والتنفيذ قد يفدون من كل حدب وصوب طالما أن هناك من يدفع المال، ولذا لا بد من البحث في أعماق المعنى للانتقال من مفهومه المادي البحت إلى معناه الأوسع، والأشمل، وبالأخص المعنى الحضاري للتطور.
بعض الأوطان قد تكون مبانيها متواضعة، ويغلب عليها القدم في حين شوارعها نظيفة، وفي المقابل بلد آخر فيه مبان حديثة، ذات ألوان زاهية، جميلة، وتصاميم رائعة، لكن نظافة المدينة، وشوارعها سيئة، حيث ترمى القمامة في كل مكان، ولذا لا بد من التأكيد على أن التطور ليس في ظاهره المادي فقط، فنظافة الشارع جاءت نتيجة سلوك، وفعل ناجم عن شعور بأهمية النظافة، وقيمتها لصحة الإنسان، وتحقيق المظهر اللائق بالمدينة، أما من يفتقدون هذا الشعور، فالنتيجة الحتمية سلوك اللامبالاة في نظافة المدينة.
ديننا لم يترك شاردة ولا واردة من مبادئ التطور إلا دلنا عليها، وأكدها، فإماطة الأذى عن الطريق عبادة، وسلوك حضاري يدل على الرقي، والتطور، والحديث بصوت هادئ بدل اللجلجة، والثرثرة سلوك راق، ومتطور، لما فيه من ذوق، وتجنب لإيذاء الآخرين "واغضض من صوتك"، كما أن حسن الاستماع، والإنصات عندما يتحدث الآخرون، وتجنب مقاطعتهم سلوك حضاري.
التأمل في بعض السلوكيات في مجتمعنا يجعل المرء حائرا بشأنها، إذ إنها منافية للذوق، مخالفة لمقاصد الشريعة التي تؤكد على حسن التصرف، ومراعاة مشاعر الآخرين، وتجنب إيذائهم، ومن أبرز الأمثلة ما يحدث في الشوارع حين قيادة السيارة، فالتهور، وعدم احترام حق الأولوية، والوقوف في أماكن لا يجوز الوقوف فيها أمثلة على مخالفة الأنظمة، وإيذاء الآخرين في إغلاق أبوابهم، أو الوقوف خلف سياراتهم، سواء في الأسواق، أو أمام المساجد، أو المستشفيات والحدائق العامة، أو في مناسبات الزواج، وغيرها.
مما يؤلم أن كثيرا من مساجدنا تتوافر فيها صناديق مخصصه للأحذية، ومع ذلك لا يستخدمها إلا القلة من الناس، هل قلة الوعي، أم اللامبالاة هي التي توجد الأحذية المتكدسة بمنظرها الكريه، والصناديق المخصصة فارغة لا يتم استخدامها؟
في كل مجتمع سلوكيات مقبولة، وأخرى مرفوضة، لكن العتب علينا نحن الأمة التي تمتلك أفضل ما لدى البشرية من نظام حياتي (اليوم أكملت لكم دينكم) أكثر من غيرنا، إذ يجب أن نكون أنموذجا يحتذى للآخرين، فرسالة الإسلام ليست لنا وحدنا، بل للإنسانية جمعاء، وما لم يجد الآخرون في سلوكنا، وتصرفاتنا ما يجذبهم، ويحببهم في الإسلام لن نكون أدينا الرسالة التي أمرنا بنشرها لا بالقول، بل بالفعل.
التطور في معناه الحقيقي نظام قيمي متكامل يترتب عليه سلوك منضبط يحترم الآخرين، ويحفظ لهم حقوقهم، يحافظ على النظام لما فيه من حفظ لحقوقه، وحقوق الآخرين، والممتلكات العامة التي هي ملك الجميع. وكم من مجتمع بنى ناطحات السحاب والقصور لكنه افتقد القيم، والسلوك الحضاري، لذا لا يمكن اعتباره متطورا، وعكس ذلك مجتمع أقل في نموه المادي، لكنه ثري في قيمه، وسلوك مواطنيه.
خاتمة: ما أجمل أن يتوافر شقا التطور المادي والمعنوي لترتسم آثاره على الإنسان والمكان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي