الاحتراق النفسي «1»
جاءت إلي شاكية غابت عن وجهها تلك الابتسامة التي تدفع من حولها للتفاؤل والتفاني في العمل لم تكن توقفها أو تهزمها العقبات، كانت تتخطاها بسهولة وتأخذ في يدها مجموعة من اليائسين واليوم تشتكي من كل شيء حولها ومن آلام لا تعرف لها سببا ومن ملل حتى أنها تفكر في ترك عملها الذي عشقته لسنين، هي تتحدث وأنا أفكر يستحيل أن تكون الشخص السابق نفسه ما الذي حصل لها؟ وما سبب هذا التغير؟
قلت في نفسي يستحيل أن تكون مكتئبة، الاكتئاب ضعف وهي أكبر من ذلك وفجأة قفز إلى ذهني مرض أو حالة لا يصاب بها إلا الناجحون!
إنه الإجهاد أو الإنهاك الذي بات أحد أهم أمراض العصر، ولاسيما بعد الكشف عن الأعداد المخيفة للمصابين بالإجهاد وخصوصا في القطاعات المستنزفة للمشاعر، مثل قطاع الصحة. إذ توصلت دراسة أجراها أطباء ألمان إلى أن نحو 50 في المائة من الأطباء يعانون حالة من الإجهاد تعرف باسم "الاحتراق النفسي".
ومن بين الأعراض التي ذكرها هؤلاء الأطباء، على سبيل المثال، أنهم يشعرون بالتعب في كل ساعة على مدار اليوم، ومجرد التفكير في العمل في الصباح يجعلهم يشعرون بأن قواهم منهكة.
ويعتقد كثيرون أن ذلك بسبب حياتنا العصرية وإيقاعها السريع، فهل تكمن المشكلة في هذا العصر بالفعل؟ أم أن الإنسان في كل العصور يجب أن يمر بفترات من فتور الهمة والعزلة، كجزء لا يتجزأ من حياته، مثلها مثل الإصابة بالبرد والإنفلونزا وكسور الأطراف؟
وهذه الحيرة أصابت آنا كاثرينا شافنر حين وقعت فريسة لـ "وباء" الإجهاد، كانت تشعر بالفتور الذهني والبدني وتستثقل كل الأعمال، حتى المهام المعتادة كانت تستنفد طاقاتها، وبات من الصعب عليها التركيز في العمل وتقول: "كنت مصدومة، ومحبطة، وفاقدة للأمل".
ما دفعها للبحث في هذه المسألة خصوصا أنها ناقدة أدبية ومؤرخة طبية في جامعة كنت بالمملكة المتحدة، وأثمرت جهودها عن كتاب "الإجهاد" الذي تناولت فيه هذا الوباء من ناحية تاريخية وجمعت فيه آراء العلماء والأطباء عن أسبابه وطرق علاجه وهل هو مرض الاكتئاب نفسه حيث يزعم البعض أن (الاحتراق النفسي) هو تسمية أخف وقعا على النفس من الاكتئاب لتشابه أعراضهما! تقول شافنر في كتابها بناء على دراسة ألمانية إن (الاحتراق النفسي) يصيب المهنيين الناجحين، ويستهدف بصفة أساسية، الأشخاص الذين يتطلب نشاطهم المهني التزامات كبيرة في علاقات العمل مثل الأخصائيين الاجتماعيين وأصحاب المهن الطبية والمعلمين، أما (الاكتئاب) فلا يصيب إلا الفاشلين"…. وللحديث بقية