رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ماذا تعلمنا الكهرباء؟

"هم في السعير ليوفروا لنا الجنة داخل بيوتنا"
هذا أجمل تعليق وصلني بالتويتر من إحدى المتابعات الكريمات، ولقد أثر بي هذا التعليق، وأظنه دافعي الأول لكتابة هذا المقال، لأن الكهرباء ليست مجرد شركة كهرباء ومحطات توليد، وفواتير تشيب الوليد.. إنما شيء آخر معلم كبير، من تلك القوانين التي يزرعها الله في ضمير هذا الكون لنستقي منها العلم الأكبر والأصفى والأصح. عبرت المتابعة الفاضلة بإنسانية كبيرة، وهذا ما أسميه بالذكاء الإنساني، أي نجعل أنفسنا مكان من نعنيهم بخطابنا سواء تقريرا أو ثناء أو انتقادا. وضعت المتابعة ذات الذكاء الإنساني نفسها مكان أولئك الشباب الذين يتعاملون مع براكين فائرة بالأفران في قيظ أغسطس في المقال الذي كتبته عنهم تحت عنوان "الغزلانويون". لم أذكر في مقالي ذاك إلا تفاني شباب المحطة بالعمل ونصب أعينهم أن الكهرباء ليست مجرد شركة، الكهرباء طاقة أساسية في حياة الناس، ومهمتهم الكبرى، وقد تكون الوحيدة هي ألا تنقطع هذه الطاقة الحيوية، وألا تعطلت حرفيا حركة الحياة. ولم أذكر تعاملهم مع الأفران حيث يذوب الفولاذ وليس جلد الإنسان، ولكن المتابعة وضعت نفسها مكانهم وقدرت لهم الجهد ووصفت هذا الوضع بالسعير وهو لم يخطر لي ولا حتى لهم.. لأنهم لم يسألوا عن أنفسهم، بل عما يقدمونه أمام الله ثم لناسهم ووطنهم. فخجلت من نفسي وتعلمت درسي أن المتابعة انتبهت لأهم شيء أعرفه ولم أنتبه إليه ولم أكتبه، ولم يقولوه لي هم في محطة غزلان، وباقي المحطات بالوضع نفسه تماما. ولكنه الذكاء الإنساني المتوقد فيها وهو خليط من الانتباه والعاطفة العادلة والضمير المحق. أشكر كل شباب محطات الكهرباء، وأشكر الكهرباء الطاقة، وللمتابعة الفاضلة، فقد صعدت بفضلهم معراجا أعلى في سماء الإنسانية.
"أهم ما في الحياة ليس ما نراه.. بل ما لا نراه":
إني أؤمن بذلك بثبات. من أهم الموجودات الكونية للبشر هو الهواء، فمن يرى الهواء؟! نشعر بنسمته على سطح أديمنا، نشعر به وهو يداعب شعر رؤوسنا بحنان ولطف، ونشعر به عاصفة هوجاء تمسح كل ما في طريقها من الإنسان وما بناه الإنسان.. لكننا لا نراه. لا نحيا من دونه ولا نراه. وكذلك الطاقة الكهربائية من يراها؟ لا يراها أحد مطلقا.. كل ما نراه إنما هو نتائج نشاط الطاقة الكهربائية، ومن يقلل أهمية الكهرباء احتياجا ورهبة؟ من ؟ لا أحد! إذن الدرس الذي أتعلمه من الكهرباء هو ألا نعتمد على المظاهر، وإنما من أو "ما" سبب هذه المظاهر. الجوهر لا الشكل، الأداء لا الضجة. درس في كل شيء من علم الأخلاق والسلوك من الفرد الواحد لأعظم الملوك.. من الشعر إلى كل علوم الفيزياء. والأهم تعلم الكهرباء عمل الخير الخفي، والتواضع.. التواضع الشديد.

قدرة الإيصال
الكهرباء عبارة عن جدول متدفق من الإلكترونات داخل عناصر موصلة مثل النحاس، وتوافرت العناصر الموصلة وتقدمت وتسارعت. كلنا لدينا كهرباء عبارة عن جدول متدفق من الأفكار، لكنها لن تتحول إلى أفعال منتجة ومفيدة إلا عن طريق الموصلات. ضعف مهارتنا في وضع أفكارنا خارج أدمغتنا لأي سبب كالخوف أو التردد أو قلة الثقة بالنفس فهذه الطاقة الفكرية لن تتحول أفعالا لتفتح أنوار الغرف الإنسانية بالخارج وستبقى سجينة عضو هلامي رخو ساكن من الخارج كالكهرباء الساكنة.. ولن ينفع أحد، فالمحبوسون لا ينتجون.
كلنا نكتوي بفواتير الكهرباء حتى مسؤولو الكهرباء أنفسهم.. الذي يصحح ذلك بما أن الأسعار لا تولد من محطاتهم وإنما من وضع أقوى منا جميعا.. هو أن نتعلم من الفواتير التي لا نحبها أبدا إبداعات جديدة من أفكارنا الدماغية للادخار والتوفير، وهذا نحبه جميعا فلا تتقدم الشعوب المستهلكة بل الموفرة المدخرة. وبما أن الشركة لا يد لها في الوضع الاقتصادي، فلعلها عن طريق أفكار شبابها يطلقون ابتكاراتهم بتخفيض الكلفة، لتنخفض إن شاء الله الفاتورة. بالدماغ كل شيء ممكن.
فمن يدري؟ قد تصبح الكهرباء يوما بفضل هذا المنحة الإلهية؛ العقل البشري، بلا تكلفة.. مجانا، كالهواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي