معاداة الجمال
تعمل كل البلديات على إضفاء المنظر الجميل الذي يسر زوار المدن، تبحث هذه المنشآت في تاريخ وثقافة وتراث المدينة، إضافة إلى تبني أفكار جديدة، والبناء على كل ما ينفع الناس، فتصبح المدن أشبه ما تكون بالمتاحف المفتوحة أو المدارس التي تنشر المعرفة والجمال.
إن كثيرا من البلديات تعمل على البحث عن الجديد وتنظم المسابقات في سبيل تحديث ما لديها ورصد الأفكار التي يمكن أن تتحول إلى مجسمات جمالية في المدينة. يشارك الطلبة والفنانون والمهندسون في منافسات تصميم المجسمات والمتاحف المفتوحة، وهو أمر نحتاج لتشجيع انتشاره بين سكان المدينة، لكن هذا ليس موضوع حديثي اليوم.
أتحدث اليوم عن تصرفات يؤسف لها، يقوم بها أشخاص بعيدون كل البعد عن المواطنة والخلق والاحترام والثقافة. أشخاص يتناولون المجسمات الجمالية التي تنفذها البلديات بالأذية والتخريب. يمكن أن نصنف الأشخاص الذين يفعلون ذلك بعدد من التصنيفات، لكن اللوثة الغريبة التي جعلت من الشباب أدوات سهلة التحريك في أيدي أصحاب الأجندات والأفكار الغريبة، الذين يعتمدون على الظلام في استقطاب ضحاياهم وتخطيط أعمالهم وتنفيذها، هي ما يثير المخاوف.
تحدثت مع أحدهم عن مفهوم تبناه بسبب خطبة سمعها، وشرحت له الأمر من ناحية علمية تاريخية، فلم يأبه لقولي برغم أنه كان بإمكانه أن يبحث ويستقصي، واستمر في التنقل بين مجموعات "واتساب" ينشر فكرة خاطئة قد تؤلب آخرين أقل علما منه وأكثر حماسا.
هو ــ وإن كان شاطحا ــ فليس ممن يأخذون الأمور بأيديهم وإنما تنتهي علاقته بالفكرة والخلاف بكلمات يقولها أو يكتبها، لكن الخوف ممن يأتي فيقرأ وينطلق في صباح اليوم التالي "محتسبا"، وهو لا يعلم شيئا عن الواقع وفقه الواقع وما يتعلق بالموضوع الخلافي الذي تبناه صاحبه.
هنا يقع كثير من المصائب، فمن يتحدثون ويناقشون ويناورون ويستخدمون الألفاظ ذات القرع العالي في آذان الصغار سنا أو عقلا أو فهما، يعتقدون أن نهاية علاقتهم بالأمر هي إغلاق الأجهزة، لكن الواقع أن ما يأتي بعد ذلك مسؤوليتهم وعليهم أن يتحملوا وزرها.
هذا من ناحية المؤدلجين، لكن الأسوأ منهم أولئك الذين يرون الواقع أمامهم ثم يتبنون إشاعة الفوضى وتأليب الصغار، بل مراقبتهم وهم يتصرفون بصفاقة ويسيئون للمجتمع ومكوناته دون علم أو أثارة حقيقية يعتمد عليها.