الجنيه المصري .. تحت مطرقة الدولار الأمريكي

يتعرض الجنيه المصري في هذه الأيام إلى هزات عنيفة أمام الدولار الأمريكي ما أدى إلى زيادة الأسعار في السوق المصرية، وبدأ المواطن المصري محدود الدخل يعلن تذمره من ارتفاعات ملحوظة في أسعار السلع الضرورية.
ولعلاج هذه المعضلة اتجهت الحكومة المصرية إلى صندوق النقد الدولي، وطلبت من الصندوق قرضا مقداره 12 مليار دولار لتنفيذ برنامج لإصلاح الاختلالات في الاقتصاد المصري.
وبعد مباحثات بين الحكومة المصرية ووفد صندوق النقد الدولي وافق الصندوق على إعطاء مصر هذا القرض مقابل شروط حتمية وصارمة.
ولكن في الساحة المصرية هناك تياران .. تيار يوافق على الاتجاه نحو الصندوق، وتيار يعترض بشدة على روشتة صندوق النقد الدولي، ويقول بعض أساتذة الاقتصاد في الجامعات المصرية إن روشتة الصندوق هي مفرمة للاقتصاد المصري، ويضربون الأمثلة بكثير من الفشل الذي سببه الصندوق للاقتصاد الماليزي والاقتصاد اليوناني، والاقتصاد المصري -على وجه الخصوص- في مرحلة سابقة.
والواقع إن الأوضاع الصعبة جدا التي يتعرض لها الاقتصاد المصري ليست جديدة، فهي أوضاع تراكمية منذ عهد الرئيس محمد حسني مبارك التي كانت حكوماته تتهاون أمام المشكلات الاقتصادية التي كانت تهدد الاقتصاد المصري.
كذلك فعلت الحكومات المصرية التي جاءت بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 لم تستطع أن تنتهج سياسات نقدية ومالية سليمة ولم تستطع أن تقف في وجه شباب الثورة، فاتخذت مجموعة إجراءات وقرارات ألحقت أضرارا بالغة بالاقتصاد الوطني، ومنها تثبيت مليوني موظف بعد أن كانوا معلقين على وظائف مؤقتة، كذلك إقرار زيادة الرواتب، أيضا توظيف مئات الألوف من الموظفين في محاولة لخفض معدلات البطالة.
هذه الإجراءات والقرارات أوقعت ضغوطا على الاقتصاد الكلي حتى أصبح الجهاز الحكومي المصري يعاني التضخم وتبلغ ميزانية الرواتب من الميزانية العامة للدولة نحو 89 في المائة، بينما الاعتمادات المالية الهادفة إلى تنفيذ مشاريع التنمية والبناء منخفضة جدا ولا تستطيع أن ترفع -بالقدر المطلوب- معدلات الناتج المحلي الإجمالي.
وهذا الخلل في توزيع موارد الدولة أدى إلى زيادة الاستيراد، وبالتالي زيادة الطلب على الدولار بشكل تجاوز كل الحدود، كذلك فإن استمرار الحرب ضد الإرهاب امتص حيزا كبيرا من أموال الدولة.
من ناحية أخرى، فإن الوزارات المصرية المختصة لم تعن كثيرا بتنفيذ مشاريع إعادة بناء المصانع التي توقفت بسبب ثورة الشباب، وإن الحكومات المتعاقبة لم تقم بإصلاح وتشغيل هذه المصانع لخفض معدلات البطالة وزيادة الناتج القومي الإجمالي، يضاف إلى ذلك أن الفساد المالي والإداري لعبا دورا كبيرا في إفشال الكثير من مشاريع التنمية التي نجحت الحكومة في تنفيذها، وكانت منظمة الشفافية العالمية قد أشارت في تقاريرها الأخيرة إلى أن مستوى الفساد في مصر من أعلى المستويات في العالم.
لهذه الأسباب وغيرها من المشكلات التي كان وما زال يعانيها الاقتصاد المصري، أخذ يتعرض الجنيه المصري لسلسلة من الانخفاضات أمام الدولار حتى بلغ في السوق السوداء 15 جنيها مقابل الدولار بعد أن كان قبل سنوات قليلة عند مستوى 3.7 جنيه للدولار.
بل الأسخم من ذلك أن المضاربين يراهنون على انخفاضات أخرى تتزامن مع تعويم الجنيه، وهو أحد المطالب التي سيطالب بها صندوق النقد الدولي حينما يقر مشروع الإصلاح الاقتصادي.
والمخيف أن بعض الاقتصاديين المصريين يتوقعون الفشل لروشتة الصندوق، ويتوقعون أن يدخل الاقتصاد المصري في نفق مظلم لا يمكن التكهن بأبعاده في السنوات الثلاث القادمة، وهي المدة التي سوف يستغرقها قرض الصندوق.
وإذا رجعنا إلى المطالب الأولى لثورة الشباب التي اندلعت في مصر في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، نجد أنها كانت مطالب اقتصادية في الدرجة الأولى، وكانت تنحصر فى القضاء على البطالة، ورفع الأجور المتدنية، والسيطرة على أسعار السلع والخدمات التي شهدت ارتفاعات جنونية في السوق المصرية في الآونة الأخيرة.
ولا شك أن سرعة معالجة الفساد المستشري في كل قنوات الإجراءات البيروقراطية المترهلة ستساعد كثيرا على خروج الاقتصاد المصري من الأغلال، كما أن عودة الروح إلى الإنسان المصري وزيادة إنتاجيته ستساعد كثيرا في الوصول إلى مطالب الشباب، وثالث الأثافي أن الاقتصاد المصري في حاجة إلى إصلاح الهياكل الاقتصادية المثقلة بكثير من الأمراض، يضاف إلى هذا أن الإيرادات الضريبية التي كان يجب أن تكون أحد أهم مصادر الدخل لا تتجاوز الـ15 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي، وهي نسبة منخفضة جدا إذا قيست بالإيرادات الضريبية في الدول المتقدمة والناشئة، ولذلك فإن مصر في حاجة ماسة إلى إعادة هندسة هياكلها الاقتصادية جنبا إلى جنب مع تنفيذ حزمة الإصلاحات الاقتصادية، وفى هذا الإطار لابد من رسم حدود فاصلة وواضحة بين السلطة والثروة، لأن وزارة رجال الأعمال في العهد السابق مارست على نطاق واسع ما يسمى بـ"رأسمالية المحسوبيات"، كذلك لابد من وضع سياسة واضحة لدعم القطاع الخاص ليقوم بدوره في دعم برامج الإصلاح.
السؤال المهم هو: هل يتقبل الشارع المصري نتائج تطبيق روشتة الصندوق بما سيتمخض عنها من ارتفاعات في أسعار السلع الضرورية والخدمات، أم أن زيادة الأسعار سوف تعيد إلى الشارع المصري الأجواء التي سبقت ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي