رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التعاملات الإلكترونية الحكومية .. التقييم الدولي 2016

طرحنا في مقالات سابقة موضوع "التعاملات الإلكترونية الحكومية"، وبينا أهمية هذه التعاملات كوسيلة لدعم فاعلية الخدمات الحكومية وزيادة كفاءتها وتعزيز رشاقتها في الأداء. وأبرزنا في هذا المجال فكرة أن تكاليف هذه الخدمات ليست إنفاقا ضائعا، بل استثمارا يعود بالنفع على الإدارات الحكومية المقدمة للخدمات، وعلى الإنسان المستفيد منها، وعلى المجتمع بأسره أيضا. وتطرقنا إلى "الطريقة الدولية" في تقييم هذه التعاملات، وتصنيف الدول دوريا، كل سنتين، على أساس هذه الطريقة، وطرحنا، إضافة إلى ما سبق، مدى التقدم الذي حققته المملكة في هذا المجال، حيث قفزت من المركز "70" عام 2008 إلى المركز "36" عام 2014. أي أنها تقدمت "34" مركزا، خلال "ست سنوات" فقط، على الرغم من المنافسة وسعي الدول المختلفة الأخرى إلى التقدم أيضا.
تطمح "رؤية المملكة" إلى الوصول إلى المركز "25" عام 2020. ولا شك أن هذا الطموح مشروع ومعقول، ويتوافق مع ما حققته المملكة في الماضي. لكن الأمر قد يبدو متعثرا ويحتاج إلى اهتمام خاص، بالنظر إلى نتائج التقييم الدولي لعام 2016 الذي تم الإعلان عنه أخيرا، حيث تراجع موقع المملكة في التقييم من المركز "36" عام 2014 إلى المركز "44" عام 2016. وكان التراجع أيضا من نصيب بعض الدول المهمة في العالم مثل "الولايات المتحدة، وفرنسا، وكوريا، واليابان" وغيرها؛ كما كان التقدم من نصيب دول أخرى مثل "بريطانيا، وفنلندا، والسويد، والدنمارك" وغيرها.
ولا يعني التراجع في التصنيف بالضرورة تراجعا في حالة التعاملات الإلكترونية الحكومية لدى الدولة المعنية، أو حتى عدم التحسن فيها، لأن التصنيف لا يعتمد فقط على حالة هذه التعاملات في الدولة، بل على حالتها النسبية مقارنة بحالات الدول الأخرى. فإذا تقدمت بعض الدول بنشاط في هذه التعاملات سبقت الدول الأخرى، حتى تلك التي تتقدم، ولكن ليس بالنشاط ذاته. وإذا أردنا أن نتقدم بنشاط، ونسبق الدول الأخرى في التقييم الدولي، فإن علينا أن نستوعب معايير هذا التقييم، وأن نوجه اهتمامنا إلى العوامل التي تعزز حالة التعاملات لدينا في هذه المعايير. ليس هذا فحسب، بل إن علينا أن نعمل على إضافة معايير خاصة بنا، ونسعى إلى الاهتمام بها لنحقق "تميزا ممكنا"، ليس على مستوى التقييم الدولي المطروح، بل على مستوى الريادة في التطوير والإسهام في تقييم دولي متجدد أكثر قدرة على تحسين أداء التعاملات الإلكترونية الحكومية وتعزيز الاستفادة منها والاستثمار فيها.
وسنلقي الضوء فيما يلي على مسألة "استيعاب متطلبات المعايير الدولية"، وعلى مقترح وضع "معايير تميز خاصة" تكمل المعايير الدولية وتضيف إليها عوامل تستحق الاهتمام.
ترتبط المعايير الدولية بأربعة محاور رئيسة. ثلاثة من هذه المحاور تسهم في التقييم العام والتصنيف الناتج عنه، وهي: محور "بنية الاتصالات" وهي البنية التي تقوم بنقل المعلومات بين مراكز الخدمة والمستفيدين؛ ومحور "الثروة البشرية" وتمثل هذه الثروة الإنسان المستفيد وقدرته على التواصل والحصول على الخدمات؛ ثم محور "الخدمات" والمواقع الحكومية التي تقدمها. أما المحور الرابع من محاور التقييم الدولي فهو محور "المشاركة الإلكترونية" للمستفيدين من التعاملات والتفاعل مع هذه الخدمات وإبداء الرأي بشأنها. ويتمتع هذا المحور بالاستقلال عن التقييم العام، ويقدم تقييما خاصا به. وتجدر الإشارة إلى أن المملكة تقدمت في التصنيف على هذا المحور بالذات من المركز "51" عام 2014 إلى المركز "39" عام 2016.
تعتمد معايير كل من محور"بنية الاتصالات" ومحور "الثروة البشرية" على مؤشرات قياسية محددة. فلمحور بنية الاتصالات "خمسة مؤشرات" محددة تهتم بمدى استخدام "الهاتف الثابت، والهاتف الجوال، والإنترنت، والاتصالات السلكية واللاسلكية عريضة النطاق الموصلة إلى الإنترنت". ولمحور "الثروة البشرية "أربع مؤشرات" تركز على "الأهلية المعرفية، والتسجيل في المدارس، وعدد سنوات التعليم". وتجدر الإشارة إلى أن حصيلة مؤشرات بنية الاتصالات في المملكة قد تحسنت بمقدار "3.8 في المائة"؛ وأن حصيلة مؤشرات "الثروة البشرية" قد تحسنت بمقدار "7.16 في المائة"؛ وذلك بين عامي 2014 و2016.
أما معايير كل من محور "الخدمات" ومحور "المشاركة" فليس لهما مؤشرات قياسية محددة بل إن تقييمهما يعتمد على "دراسات مسحية ميدانية" يقوم بها عدد كبير من المقيمين. وعلى الرغم من الجهد المتميز المبذول دوليا في هذا المجال، إلا أن النتائج لا تتمتع بالدرجة نفسها من الثقة التي تتمتع بها المؤشرات التي تعتمد على قياسات محددة. ولعله من المفيد الحرص على التعرف "من قرب" على دراسات التقييم التي يتم إجراؤها كي يمكن تطوير العناصر التي تؤخذ في الاعتبار على أفضل وجه ممكن. وتجدر الإشارة إلى أن حصيلة الدراسات المسحية "للخدمات" في المملكة أظهرت تراجعا بمقدار "12.67 في المائة"؛ وأن حصيلة مؤشرات "المشاركة" قد تحسنت بنحو "25 في المائة"؛ وذلك بين عامي 2014 و2016. وفي الحالتين لا يبدو التغير واضحا بسبب غياب حيثيات التقييم التفصيلية للدراسات التي أفرزتها.
على أساس ما سبق، فنحن نحتاج إلى التعرف من قرب على "الدراسات المسحية الميدانية" التي تجري على المستوى الدولي كي نستطيع تحقيق التطوير المنشود. ويقول تقرير الأمم المتحدة لعام 2016، حول الموضوع، إن عدد الذين شاركوا في الدراسات بلغ "111 مشاركا"، بينهم مختصون ومعهم متطوعون من "طلاب الدراسات العليا" في جامعات العالم. ويتوزع هؤلاء على "60 دولة"، ويدرسون مواقع للخدمات تستخدم "66 لغة". كما أنهم يخضعون إلى "دورات تدريبية" خاصة على التقييم على أساس تبنيهم "الحالة الذهنية للمستفيدين من الخدمات". والسؤال الذي يجب طرحه هنا هو: هل هناك من أبنائنا من يشارك في هذه الدورات بحيث تصبح معايير التقييم واضحة جلية أمامنا؛ فإن لم يكن بيننا من يشارك فلعلنا نتطوع للعمل ونطالب بالمشاركة، ثم نجري تقييما ذاتيا لأنفسنا يؤهلنا للتطوير على أفضل وجه ممكن، للوصول إلى المراكز المتقدمة التي نطمح إليها.
ونعود في ختام هذا المقال إلى مقترح سابق بشأن التعاملات الإلكترونية الحكومية ألا وهو إنشاء "مركز دراسات" ينظر إلى مشهد التعاملات الإلكترونية الحكومية من مختلف جوانبه، ومتطلبات التطوير فيه، ليس فقط في إطار المعايير الدولية، بل في إطار "معايير أكثر شمولية". ويتضمن ذلك، على سبيل المثال، معايير تهتم بمدى فاعلية هذه التعاملات وكفاءتها ورشاقة أدائها، إضافة إلى معايير تركز على الاستجابة للتطور التقني، والمتغيرات الطارئة، واحتياجات المستفيدين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي