تحويل حالة عدم اليقين إلى محرك للابتكار

قيل إن الغرض من إنشاء المؤسسة هو القضاء على حالة عدم اليقين. لكن هل يكبت ذلك بذور الابتكار؟ تحدثتُ أخيرا مع قادة الابتكار في شركة كبرى للصيدلة الحيوية، وكانوا يشتكون من التحديات الساحقة التي تواجههم لتصميم برنامج مبتكر، فمهما اجتهدوا كانت شركتهم تركز على عمليات التنفيذ والتفكير الضيق بدلا من الانحياز إلى الابتكار وفتح الآفاق. وقلت لهم وذكّرتهم بأن الشركات الكبرى تشبه السفن التي تغرق ببطء "تغرق تحت وطأة إجراءات تنفيذ الأعمال"؛ ولهذا فإن الجهود المبذولة للابتكار ستبقى غير مثالية، بل ستصبح أشبه بضخ المياه خارج جسم السفينة للحفاظ عليها طافية فوق الماء.
يتردد صدى هذا التشبيه في أذهاننا لأنه يذكرنا أن جهود الابتكار التي نبذلها لم تكن، ولن تكون يوما مثالية أو كاملة. ويعود هذا إلى أن أحد المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها جميع الابتكارات، هو حالة عدم اليقين. ولا أشير بهذا المصطلح إلى مبدأ فيزيائي متعلق بنظرية الكم للجسيمات الذرية "على الرغم من أنني أجد أنه من المفارقات أن تكون إحدى النظريات التي تفسر الواقع المادي هي النظرية التي ترتكز على حالة عدم اليقين"، بل أتحدث عن حقيقة بسيطة وهي أن كل ابتكار ينطوي أساسا على عدم اليقين الذي لا يمكن التنبؤ به أو توقعه غالبا. وهو ذلك النوع من عدم اليقين الذي يدفع الناس والشركات إلى التوتر، ويحاولون لهذا القضاء عليه. والواقع أن هربرت سايمون، وهو المفكر الإداري الذي فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد، أشار مرة إلى أن هدف المؤسسات هو إنهاء حالة عدم اليقين.
إذا نظرت حولك، فإن معظم المنشآت، ويشمل ذلك المؤسسات التي تعلمنا والتي نعمل فيها، تحاول جاهدة اجتثاث حالة عدم اليقين لأنها غير فعّالة وغير متوقعة. بل قيل لنا طوال حياتنا إن علينا التخطيط للا متوقع، وحثت مؤسساتنا على التنبؤ بما لم يتنبأ به. لكن ما يجذبني في حالة عدم اليقين، أنه حيث يختفي عدم اليقين، يضمحل الابتكار أيضا. فعدم اليقين هو التربة الخصبة التي ينشأ منها الابتكار وينمو. وهو البرعم الذي يزهر مستقبلا أفضل مما تخيلناه لأنفسنا. ولهذا علينا تبنيه واعتناقه وكذلك احترامه. وأعني بالتبني إيجاد سبل للسماح لللا يقين بالازدهار في حياتنا ومؤسساتنا. وأعني بالاحترام، أن ندرس كيفية إدارة عدم اليقين بحيث لا يستنزفنا أو يعوقنا. أمر بدهي أننا بحاجة للتحكم على حالة عدم اليقين أكثر من مجرد تبنيه ببساطة، وذلك جزء من المساعي التي أبذلها، فأنا أعمل على التعرف على الأدوات الشخصية والمهنية والتنظيمية التي تسمح لنا بتحويل عدم اليقين إلى شيء جميل، شيءٌ يحل المشكلات الحقيقية. وعلى الرغم من أنني لن أتمكن من عرض كل تلك الأدوات في هذه العجالة لكن أرجو أن نتفق جميعا على مسألة واحدة. وهي أنك بمجرد العمل وأنت في حالة عدم اليقين، فإنك تبدأ في الشعور بالقلق. لكن القلق لا يعني أنك فشلت. فإذا كنت تطور فكرة جديدة، أو مهنة جديدة، أو أعمالا جديدة، أو نهجا جديدا، أو غير ذلك، فإنك ستواجه هذا القلق، لكن لا تسمح له بإعاقتك. وأنا لا أتحدث هنا عن البيانات - فإذا كانت البيانات تقول لك شيئا مختلفا، خذ ذلك في الحسبان، وغيّر مسارك إن وجدت ذلك ضروريا ".
في الختام، أتذكر قول الأديبة الأمريكية «أورسولا لو جوين» التي كتبت "يشق الفنانون العظماء الطرق، ويوجهنا إليها المعلمون الجيدون وأحسن الرفاق، لكن الرحلة ليست مجانية، فإذا نويت أن تقتحم أي اتجاه جديد، تقدم وحدك، واحمل سلاحك واتق الله في قلبك".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي