إفريقيا .. جبهة جديدة للمستثمرين «2 من 2»

إفريقيا .. جبهة جديدة للمستثمرين «2 من 2»

أكد متحدثون في مؤتمر إفريقيا الذي عقدته "إنسياد" في شهر حزيران (يونيو) على التقدم الكبير الذي يجري على الأرض في الوقت الحاضر. يقول سايمون هارفورد، الرئيس المشارك للاستثمار الإفريقي لمستثمري الأسهم الخاصة (آكتيس)، في حديثه لمجلة إنسياد للمعرفة، "من الناحية السياسية، فإن هنالك مزيدا من الدول الإفريقية التي تمضي قدما نحو الديمقراطية، وأن النظرة السياسية أكثر قابلية للتنبؤ والاستقرار، ومن الناحية الاقتصادية، هنالك مزيد من الدول التي تعمل على تحقيق الاستقرار الكلي لاقتصادها".
ويقول لوك ريغاوزو، الرئيس التنفيذي والشريك الإداري لـ "أميثيس فاينانس"، وهي شركة استشارية تركز نشاطها في إفريقيا ومقرها باريس، "القارة تتحرك بسرعة"، تشهد إفريقيا حاليا، التي تحولت من كونها قارة مصدرة للمواد الخام، ومستوردة للمنتجات النهائية، نموا في قطاع التصنيع الأصلي، ويضيف، "السوق الإفريقية الرئيسة اليوم هي للأفارقة أنفسهم".
بالتأكيد، هناك عديد من العقبات، كعجز الطاقة الذي يعد عقبة رئيسة، وقلة كفاءة البنية التحتية للمواصلات والاتصالات بشكل ملحوظ. ووفقا لشركة كي بي إم جي، تحتاج إفريقيا لاستثمار من 90 مليار دولار أمريكي إلى 100 مليار سنويا، أي ما يزيد على ضعف إنفاقها الحالي البالغ 45 مليارا لتحسين الطرقات والسكك الحديدية والموانئ وغيرها من البنى التحتية، وبناء المستشفيات والمدارس.
القطاع المالي في القارة المتخلفة، والصعوبات التي تواجهها الشركات في الحصول على التمويل هي عقبة رئيسة أخرى. ووفقا للبنك الإفريقي للتنمية، فإن واحدة فقط من كل خمس مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم في إفريقيا لديها خط ائتمان من مؤسسة مالية، حتى الشركات الكبرى تجد صعوبة في الحصول على تمويل لأكثر من خمسة أعوام من مصادر أخرى غير مؤسسات تمويل التنمية.
تبذل مؤسسات مثل مؤسسة التمويل العالمية، وهي جزء من مجموعة البنك الدولي، قصارى جهودها للمساعدة في حل المشكلة. يقول مدير مؤسسة التمويل العالمية إيموني أكبوفيور، "إن ما نحاول فعله هو تزويد المصارف المحلية بالسيولة اللازمة لإعطاء القروض، ومع ذلك لا يمكننا أن نجبر المصارف المحلية على إعطاء قروض طويلة الأمد إلا إذا ارتأت هي ذلك، وإنه من الأسهل على المصارف إقراض الحكومات بدلا من إقراض الشركات لما يترتب على ذلك من ضرورة إجراء التحليلات اللازمة".
للتنمية أيضا آثار سلبية في الحياة البرية في إفريقيا، وهي التي تشكل أحد أهم أصولها، ووفقا لتقرير صادر عن الصندوق العالمي للحياة البرية والبنك الإفريقي للتنمية، فقد شهدت إفريقيا تراجعا بنسبة 40 في المائة تقريبا في التنوع البيولوجي في العقود الأربعة الماضية، وقد أخذ هذا التطور بالتفاقم جراء تزايد الزراعة المكثفة، ولا سيما من خلال ما يسمى بـ "الاستيلاء على الأراضي"، واستثمارات الحكومات الأجنبية والشركات في مساحات واسعة من الأراضي المؤجرة أو المشتراة بأسعار زهيدة من الحكومات الإفريقية من أجل إنتاج الغذاء للتصدير.
أجرت حكومة إثيوبيا مساحات شاسعة من الأراضي بأسعار زهيدة لمصلحة شركات عالمية مثل كاروتوري غلوبال ومركزها بنغالور، ومؤسسة سعودي ستار للسعودي محمد العمودي، في عملية يقال إنها اتخذت لتعزز نقل التكنولوجيا. وإضافة إلى ذلك، فقد ظهر المستثمرون الغربيون على السطح، فتم توقيع اتفاقيات مماثلة في بلدان إفريقية أخرى مثل غانا وتنزانيا. وقد أدت هذه الاستثمارات إلى تشريد مئات الآلاف من الناس، الأمر الذي أدى إلى عديد من الاحتجاجات العنيفة ضدهم في كل من إثيوبيا وبلدان أخرى.
يذكر مو إبراهيم (رئيس شركة استثمارية تركز نشاطها في إفريقيا) أنه على الرغم من أن "الزراعة هي مستقبل إفريقيا"، إلا أن مثل هذه الصفقات ليست في مصلحة الأفارقة، لأن "الدول الأجنبية تدخل إلى البلدان الإفريقية من خلال بعض الصفقات المشبوهة، وغالبا ما تكون سرية وغير شفافة، ولا يتم نشرها، حيث يتم الاستيلاء على ملايين الفدادين من الأراضي وطرد الفلاحين منها بهدف إنتاج "الأمن الغذائي"، الأمن الغذائي لمن؟ وماذا عن شعبنا؟"
ويقول ريغاوزو، إنه حتى من الناحية الاقتصادية، ومع تزايد الطلب على الغذاء في إفريقيا، فإن هذه العمليات غير منطقية، ويضيف، "هناك مفارقة واضحة جدا، فقد تكون المرة الأولى في التاريخ أن يكون لإفريقيا الزراعية مستقبل جيد، لأن هنالك أسواقا كبيرة في المدن الإفريقية".
يرى ريغاوزو أنه "عندما تتمكن المنتجات الإفريقية من خدمة الأسواق الإفريقية، فإنك ستجد عديدا من الناس يأتون من الخارج"، ويعتقد ريغاوزو وآخرون أنه عندما يدرك هؤلاء الناس أن الجوانب السلبية آخذة في الارتفاع، فإنه على الأرجح أن تواجه هذه الاستثمارات مجموعة من المتاعب، وأن الأشخاص الذين يستثمرون أموالهم في الاستيلاء على الأراضي يرتكبون خطأ كبيرا".
وعلى الرغم من هذه الظلال الداكنة، هنالك عديد من الجوانب الإيجابية، فالتكامل الاقتصادي الإقليمي يجري تعزيزه من خلال هيئات مثل مجموعة دول شرق إفريقيا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المكونة من 16 دولة، وهنالك مبادرات مماثلة في مناطق مختلفة من إفريقيا. وكمثال على هذا التعاون، فإن "أكفوبيور" تمثل مجمع الطاقة الكهربائية في غرب إفريقيا الذي يعمل تحت رعاية مجموعة دول شرق إفريقيا لتطوير شبكة كهرباء موثوقة، وسوق مشتركة للكهرباء في المنطقة، "وهذا مثال جيد يجري تكراره في أماكن أخرى".
يعد المستثمرون الواقعيون المجالات التي تشكل مشكلة اليوم، كالطاقة والخدمات المالية، مراكز الربح المحتملة غدا، وكلاهما من بين القطاعات التي تجتذب الاستثمارات من شركات مثل آكتيس وأميثيس.
والأهم من ذلك كله، فإن ميزة إفريقيا الأكثر جاذبية للمستثمرين هي أن نسبة كبيرة من سكان القارة هم من الشباب، إلى جانب كل هذا النمو وما يعنيه بالنسبة لمبيعات المنتجات الاستهلاكية والخدمات.
تقول أنات بار جيرا (ماجستير إدارة أعمال)، رئيسة مزود 4G إفريقيا (عريض الحزمة ذو التردد العالي، الذي يعمل في الكاميرون، ويعتزم التوسع إلى بلدان أخرى قريبا)، "أكثر من 50 في المائة من السكان هم تحت سن 18، الديموغرافيا في إفريقيا رائعة، والجيل الشاب فيها "هم المستفيدون الحقيقيون" من الخدمات التي تقدمها شركتها.
ويشير ريغاوزو إلى أنه يمكن لإفريقيا أن تتطلع على مدى العقود القليلة المقبلة إلى "العائد الديموغرافي" لنمو مماثل للذي تمتعت به كل من الصين والهند في السنوات الأخيرة، "وحتى مع كل هذه الصعوبات، فإنني على ثقة بأن القارة الإفريقية ستكون خلال الـ 20 عاما المقبلة جبهة النمو العالمي على هذا الكوكب".

* جامعة إنسياد

الأكثر قراءة