رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


محل خضراوات

حين دخلت محل خضراوات لأشتري المؤونة الأسبوعية، لفت نظري التوزيع الدقيق لها على الأرفف الخشبية، وعرضها بطريقة تسويقية مبدعة، نسيت حتى الكيس الذي أحمله بين يدي، وأنا أشعر بأن هذه الخضراوات تمتلك شخصيات مثل البشر تماما، وتساءلت لو عرف كل واحد منا نمط الشخصية التي يتعامل معها سواء كان زوجا أو زوجة أو أبناء أو أصدقاء أو حتى أقارب فهل سيحدث هذا الانسجام الذي أراه بين الخضراوات؟!
ماذا لو أن كل واحد منا فكر بطريقة تجعله يتقبل الآخرين كما هم لا كما يريد هو؟!
فوق الرف كان الرجل الملفوف يجلس بهدوء فهو شخص كتوم منطو على ذاته لا يجيد بناء العلاقات الاجتماعية، ورغم ذلك هو يجاور الرجل البقدونس الذي يتمتع بقدر كبير من العلاقات الاجتماعية والانفتاح على الآخر وعدم إخفاء مشاعره الخاصة. وبالقرب منهما كان الرجل البصل الذي يشعر بالثقة ويتعامل بأريحية مع محيطه ولم يشعر يوما بأنه أقل منهم ولم يشعروه هم أيضا بذلك، وفي الرف المقابل كان الرجل الليمون الذي يمتاز بصراحته اللاذعة وشخصيته الناقدة تكاد تلتصق أطراف حوضه بأوراق الرجل العنب الذي يعشق الانفتاح على الآخر ويمتلك طاقة كبيرة للعطاء دون مقابل.. وفوق الرف الذي يليهما كانت المرأة التفاحة التي يشع من قشرتها اللامعة نوع من الغرور والثقة المفرطة بما تملكه من جمال ساحر. وليس بعيدا عنها تحتل المرأة البطيخة مكانا كبيرا بالكاد يتسع لحجمها وفي المقابل كانت روحها تملأ المكان مرحا و"فرفشة" وبهجة، ولذلك لم أتعجب حين رأيت أنها رغم ضخامتها فهي التي تشد الأنظار إليها في محل الخضراوات.. وقد آمنت بعدها أن للروح رشاقة أعظم من رشاقة الجسد وأشد تأثيرا!
لم أستغرق طويلا في تأمل هذا الانسجام العجيب بين الخضراوات، فالبائع ـــ على ما أظن ـــ أعتقد أن بي لوثة عقلية وحثني على الإسراع لقرب وقت الأذان!
في طريق العودة تساءلت..
- لماذا نحتفل بدناءة حين ننتصر على أحد خالفنا الرأي حتى لو علمنا في قرارة أنفسنا أنه كان صائبا؟!
- لماذا نظن أن العالم لا يتسع لمن يخالفنا الرأي ونشعر أنه يتحول لقبور معتمة حين تصطدم آراؤنا مع الآخرين؟!
- لماذا لا نقتنع بأنه ثبت علميا أنه حتى الإنسان نفسه تختلف ملامح جانبه الأيمن عن ملامح جانبه الأيسر ولا يمكن أن تتطابق 100 في المائة!

وخزة:
يقول فولتير "أنا لا أتفق معك فيما قلت ولكني سأدافع عن حقك في التعبير حتى الموت".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي