إفريقيا .. جبهة جديدة للمستثمرين «1 من 2»
الصورة الضبابية لإفريقيا تثني المستثمرين، لكن المستثمرين الموجودين هناك يقولون إن الآفاق مشرقة، وإن المجال مفتوح لجني الأموال.
أعطت الحروب والنزاعات الأهلية والفساد صورة ملتبسة لإفريقيا، لكن الظروف تتغير، لأن الدول هناك أصبحت أكثر ديمقراطية، وتقوم بإصلاحات ضرورية. يقول بعض المستثمرين ممن يعرفون القارة جيدا إنه بالرغم من الفجوات الكبيرة في البنية التحتية، والضعف الواسع في الإدارة الرشيدة، إلا أن التعاون الإقليمي بين بعض الدول الإفريقية يتعزز، والديمقراطية تنتشر، والإصلاحات الاقتصادية تترسخ، ولذلك، فإن إفريقيا تبشر بنمو قوي.
يقول مو إبراهيم، رئيس مؤسسة محمد إبراهيم، ورئيس مجلس إدارة ساتيا، وهي شركة استثمارية تركز نشاطها في إفريقيا: "إفريقيا هي الجبهة الأخيرة"، ويشير إلى أن لدى إفريقيا موارد هائلة، "فإذا أردت أن تجني أموالا فما عليك إلا أن تذهب هناك".
بعد أن بلغ متوسط النمو في عديد من الدول الإفريقية قرابة الـ6 في المائة في العام الماضي، من المتوقع أن تشهد القارة نموا في ناتجها الإجمالي المحلي بنسبة تزيد على 5 في المائة، كما يتوقع أن تكون سبع دول إفريقية، من بينها إثيوبيا وموزنبيق ونيجيريا، من بين اقتصادات دول العالم العشر الأسرع نموا في السنوات الخمس الماضية. ووفقا لأيرنست آند يونج، فإن عدد مشاريع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إفريقيا ارتفع بنسبة 27 في المائة.
لكن بمقدور إفريقيا أن تكون أفضل. وعلى الرغم من أن عدد سكان القارة يشكل سبع سكان العالم، إلا أن القارة لم تجتذب إلا 2.8 في المائة فقط من مجموع الاستثمار الأجنبي المباشر من حيث القيمة للسنة الثالثة على التوالي في عام 2011، وذلك وفقا للأرقام الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وكانت الاضطرابات الناجمة عن "الربيع العربي" في شمال إفريقيا هي السبب الرئيس لذلك، غير أن هناك مشكلات أخرى، ففي جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى هناك الحرب الأهلية في مالي، والقتال بين السودان وجنوب السودان، واستمرار حالة عدم الاستقرار في جمهورية غينيا بيساو، وانعدام القانون في الصومال، كل ذلك أدى إلى تعزيز صورة إفريقيا السلبية. يذكر أن أيرنست آند يونج قد أشادت، من خلال استطلاع جاذبية إفريقيا 2012 الذي أجرته، بالتقدم الذي أحرزته اقتصادات عديد من الدول الإفريقية، لكنها حذرت أن "إفريقيا ما زالت ينظر إليها على أنها أكثر اضطرابا وفسادا وخطرا بصفة عامة من المناطق الأخرى".
"بيد أن الحقائق تحكي قصة مختلفة، قصة الإصلاحات والتقدم والنمو"، هذا ما تؤكده الشركة الاستشارية، كما تؤكد أن "فجوة الإدراك" بين صورة إفريقيا وحقيقتها أصبحت تُمثل التحدي الأول لهذه القارة.
يتفق إبراهيم مع ذلك ويقول إن الصورة السلبية مغلوطة وغير عادلة. ولتوضيح ذلك، فقد تذكر المشكلات التي واجهها قبل بضعة سنوات عندما كان يجمع الأموال للشركة الإفريقية للهاتف المحمول التي قام بتشغيلها، وبعد حوار مطول، وافق البنك على قرض بأفضل بكثير مما كان يطلب، وبعد ذلك بفترة، باع الشركة إلى مستثمر كويتي و"حصل الأشخاص الذين أعطوني 90 مليون دولار أمريكي فقط على قرض قيمته 2.4 مليار دولار"، وكان الضمان هو الضمان نفسه، وقد فضل المصرفيون إقراض اسم كويتي على اسم إفريقي.
لقد أدى سوء الفهم هذا إلى أن يغض عديد من الناس النظر عن الفرص التي توفرها إفريقيا. ويرى رائد الأعمال السوداني المولد في مقابلة مع مجلة إنسياد للمعرفة في مؤتمر الأعمال الإفريقي الذي عقدته إنسياد في شهر حزيران ضرورة "أن نكون منطقيين في تحليلنا للوضع في إفريقيا"، ويؤكد أن "هناك فجوة كبيرة بين الآراء حول إفريقيا والحقيقة".
ويشير إلى أن عدد السكان في إفريقيا أقل من عدد سكان الهند، لكن الناتج الإجمالي المحلي أكبر: "عديد من الدول الإفريقية سبقت الصين والهند في الإدارة الرشيدة وحكم القانون، وهناك أيضا عديد من الأشياء، فكثير من الدول الإفريقية تسير قدما".
وفي حين أن عديدا من دول الشمال الإفريقي ما زالت تشكل معضلة، فإن الاتجاه العام في جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى إيجابي. ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ارتفعت من 29.5 مليار دولار أمريكي في 2010 إلى 36.9 مليار دولار في عام 2011، وهو مستوى يكاد يصل الذروة التي وصل إليها عام 2008 والبالغ 37.3 مليار دولار، كما ارتفع الاستثمار فيما بين الدول الإفريقية ذاتها. ووفقا لأيرنست آند يونج، فقد بلغت نسبة الاستثمارات من بلد إفريقي إلى آخر 17 في المائة من جميع مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة في القارة.
يعترف إبراهيم أنه قد يحدث أن يكون "هناك مشكلات في ثلاث أو أربع دول"، لكن، على العموم، فإن إبراهيم يصر على أن إفريقيا مكان ممتاز للقيام بأعمال تجارية: "حيثما كانت هناك فجوة بين التصور والحقيقة، حيثما كانت هناك فرصة تجارية رائعة".
تعمل مؤسسة مو إبراهيم منذ عام 2007 على تشجيع الإصلاح وتعزيز الوعي بالواقع الجديد في إفريقيا، وقد أنشئت شركته في أعقاب بيع شركة سيلتيل الدولية عام 2005 بمبلغ مقداره 3.4 مليار جنيه استرليني، وهي شركة إفريقية للهاتف المحمول كانت قد أنشئت قبل ذلك بسنوات قليلة، ويصنف مؤشرها السنوي للحكم الرشيد في إفريقيا أداء الدول الإفريقية في مجالات تراوح بين الحقوق المدنية وصولا إلى الصحة، وتقدم جائزة سنوية مقدارها خمسة ملايين دولار أمريكي للإنجازات في القيادة الإفريقية، إضافة إلى راتب شهري مقداره 200 ألف دولار إلى القادة الأفارقة السابقين الذين عملوا على تعزيز الحكم الرشيد بغية إتاحة الفرصة لهم للاستمرار في لعب دور في الحياة العامة عندما يتركون مناصبهم.
* جامعة إنسياد