الطائف .. صيف بطعم الفرح
في شهر "اغسطس" حيث لهيب الصيف الساخن في أغلب مدن العالم اكتب هذا المقال على لمع البروق وإيقاع المطر المنهمر لليوم السادس على التوالي في واحدة من أكثر المدن العربية اعتدالا وبرودة، وتحديدا من "الطائف" المدينة العريقة الراسخة في ذاكرة السعوديين. لا أبالغ إذا قلت إن هذا الموسم السياحي في الطائف قد فاق كل المواسم السابقة من حيث الإقبال والفعاليات المتنوعة التي جعلت من مدينة الطائف مكانا مبهجا مفعما بالفرح، "كرنفالات" ومهرجانات في كل متنزه وحديقة، مسرحيات حية، حفلات غنائية وإنشادية، أمسيات شعرية، وتنافس مثير في كل المواقع تحت أجواء ساحرة من الغيوم والأمطار الموسمية التي اشتهرت بها الطائف.
لغة الأرقام تؤكد النجاح الاستثنائي للموسم السياحي، فمعظم الفنادق والشقق المفروشة محجوزة حتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر) وقس على ذلك النشاط الاقتصادي لبقية القطاعات الإنتاجية والخدمية. ورغم التجاهل الإعلامي لصناعة السياحة في الطائف إلا أن مواقع "التواصل الاجتماعي" خطفت الأضواء بإبرازها كثيرا من قيم الجمال الطبيعي والتنموي الذي يميزها، وتنافس كثير من المشاهير في توثيق لقطات عفوية مفعمة بالجمال لآثار نادرة، ومواقع طبيعية أسهمت في التسويق الذكي للموسم السياحي بقناعات ومفاهيم جديدة ومبتكرة. وحتى تحافظ الطائف على مكانتها السياحية العريقة وتواصل نجاحها فإن هناك كثيرا من المتطلبات التي لا بد من تحقيقها ليكتمل الحلم بصناعة سياحة وطنية قوية ومؤثرة وقادرة على المنافسة وأولى هذه الخطوات تعزيز الاستثمار في مختلف الجوانب المفصلية للقطاع السياحي، من متنزهات وملاه وفنادق ومواصلات. فالطائف ليس فيها سوى أربعة من فئة خمسة نجوم وهذا رقم متواضع جدا ولا يكفي لتلبية الطلب المتصاعد الذي يحتاج إلى عشرات الفنادق، ولا أعرف الأسباب التي تمنع من استثمار المساحات الخضراء على امتداد طريق الشفا والهدا وتحويلها إلى سلسلة من الفنادق والمنتجعات السياحية؟
والأمر نفسه ينطبق على المتنزهات الطبيعية فأمانة الطائف مثلا نجحت في إعادة تطوير متنزه "الردف "ليصبح واحدا من أهم الأماكن السياحية. والأرقام تذكر أن عدد الزوار اليومي تجاوز 55 ألف زائر ما يؤكد الحاجة إلى مزيد من المتنزهات الحديثة مكتملة الخدمات. أما "الملاهي" ومدن الألعاب الترفيهية فقد كانت نقطة ضعف واضحة في خريطة البرامج السياحية والسبب يعود للمستثمرين الذي حصلوا على أفضل المواقع منذ سنوات في الهدا، والشفا، والسداد، وحديقة الملك فهد، وما زالوا بالرتم التقليدي الضعيف نفسه الذي لا يستطيع مواكبة المتغيرات وتقديم خدمات بمهنية وجودة، واكتفى أغلبهم بالربح السريع وتأجير المواقع للعمالة الوافدة، وعلى المسؤولين في محافظة الطائف أن يكونوا أكثر حزما في محاربة هذه الظاهرة التي أساءت لصناعة السياحة في الطائف.
إن السعي لجلب الاستثمارات الناجحة وتمويل المشاريع السياحية العملاقة سيجعل من الطائف مدينة نموذجية تجمع بين التطور والإمكانات الطبيعية والموقع الاستراتيجي الذكي الذي يمنحها ميزات تنافسية إضافية، وقد أشارت "رؤية المملكة 2030" لاستغلال الموارد الطبيعية والبشرية للطائف لتعزيز التنمية الاقتصادية وفرص العمل في المملكة.